الآية حين رأى أشهب انتهى. وروي قريب من هذه عن ابن عباس والحسن. قال ابن عطية : والتوقيف بأتصبرون خاص للمؤمنين المحقين فهو لأمّة محمد صلىاللهعليهوسلم ، كأنه جعل إمهال الكفار فتنة للمؤمنين أي اختبارا ثم وقفهم. هل تصبرون أم لا؟ ثم أعرب قوله (وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) عن الوعد للصابرين والوعيد للعاصين.
وقال الزمخشري : (فِتْنَةً) أي محنة وبلاء ، وهذا تصبر لرسول الله صلىاللهعليهوسلم على ما قالوه واستبعدوه من أكله الطعام ومشيه في الأسواق بعد ما احتج عليهم بسائر الرسل يقول : جرت عادتي وموجب حكمتي على ابتلاء بعضكم أيها الناس ببعض. والمعنى أنه ابتلى المرسلين بالمرسل إليهم ومناصبتهم لهم العداوة وأقاويلهم الخارجة عن حد الإنصاف وأنواع أذاهم ، وطلب منهم الصبر الجميل ونحوه (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً) (١) الآية وموقع (أَتَصْبِرُونَ) بعد ذكر الفتنة موقع أيكم بعد الابتلاء في قوله (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (٢).
(بَصِيراً) عالما بالصواب فيما يبتلى به وبغيره فلا يضيقن صدرك ولا تستخفنك أقاويلهم فإن في صبرك عليهم سعادة ، وفوزك في الدارين. وقيل : هو تسلية عما عيروه به من الفقر حين قالوا (أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ) (٣) وأنه جعل الأغنياء فتنة للفقراء لينظر هل تصبرون وأنها حكمته ومشيئته يغني من يشاء ويفقر من يشاء. وقيل : جعلنا فتنة لهم لأنك لو كنت غنيا صاحب كنوز وجنات لكان ميلهم إليك وطاعتهم لك للدنيا أو ممزوجة بالدنيا ، وإنما بعثناك فقيرا لتكون طاعة من يطيعك منهم خالصة لوجه الله من غير طمع دنيوي. وقيل : كان أبو جهل والوليد بن المغيرة والعاصي بن وائل ومن في طبقتهم يقولون إن أسلمنا وقد أسلم قبلنا عمار وصهيب وبلال وفلان وفلان فرفعوا علينا إدلالا بالسابقة فهو افتتان بعضهم ببعض انتهى. وفيه تكثير وهذا القول الأخير قول الكلبي والفراء والزجاج. والأولى أن قوله (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً) يشمل معاني هذه الألفاظ كلها لأن بين الجميع قدرا مشتركا. وقيل : في قوله (أَتَصْبِرُونَ) أنه استفهام بمعنى الأمر أي اصبروا ، والظاهر حمل الرجاء على المشهور من استعماله والمعنى لا يأملون لقاءنا بالخير وثوابنا على الطاعة لتكذيبهم بالبعث لكفرهم بما جئت به. وقال أبو عبيدة وقوم : معناه لا يخافون. وقال الفراء : لا يرجون نشورا لا يخافون ، وهذه الكلمة تهامية وهي أيضا من
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٨٦.
(٢) سورة هود : ١١ / ٧.
(٣) سورة الفرقان : ٢٥ / ٨.