لفترة أكثر من الدولة العثمانية فكانت دولة تتسم بالقومية وبرغم هذا كانت هي الدولة الإسلامية الشيعية الوحيدة في العالم ، وتحدت إيران المعتقدات المخالفة لهم في المنطقة كما تحدت ادعاءات عالمية الدولة العثمانية ، كما أن تأييد إيران للاختلافات الموجودة في المذهب الشيعي نفسه أضعفت الادعاء المنادي بتأسيس سيادة إسلامية عالمية للدولة الشيعية ، وعلى هذا وسّعت الدولة العثمانية سيادتها في العراق وكربلاء مستخدمة الدين الإسلامي كوسيلة لهذا أما إيران فقد تصرفت كإمبراطورية مستخدمة لفظ الدين بدرجة أقل من الدولة العثمانية.
أما السيادة الشيعية الموجودة في العراق والجزيرة العربية لم تر أنها مشروعة واتهمت بالغصب من قبل المعتقدات الإسلامية السنية ، ونتيجة لهذا كان ينظر إلى الدولة العثمانية على أنها دولة إسلامية عالمية حتى لو ضعفت سيادتها في منطقة ما ، وفي حالة انسحاب الدولة العثمانية من المناطق المتنازع عليها استمرت تبعيتها النظرية للدولة العثمانية ، أما إذا انسحبت إيران من منطقة ما فإنها ستنسى ولن يكون لها وجود هناك (١).
وبالتفكر فيما عرض سابقا يتبادر إلى الذهن سؤال ألا وهو لماذا كان ينظر للدولة العثمانية على أنها القوة المشروعة في كربلاء ، وكيف حققت الدولة العثمانية تلك القوة؟ وسنبحث في الفصل الثالث من هذه الدراسة عن إجابة لتلك الأسئلة ، ولكن قبل التعرض لتلك الإجابات سيكون من الصواب لفت الانتباه إلى تلك الخصائص التالية : الأولى أن كربلاء مدينة مقدسة عند الشيعة ولذا فستقبل السيادة الشيعية عليها بكل سهولة ولهذا أبعدت الدولة العثمانية إيران عن تلك المنطقة على وجه الخصوص من الناحية السياسية والعسكرية ، الثانية يجب القول بأن مفهوم الإدارة
__________________
(١) Kamal S. Salibi," Middle Eastern Parallels : Syria ـ Iraq ـ Arabia in Ottoman Times", Middle East Studies) MES (, Vol. ٥١, No : ١, January ٩٧٩١, s. ٢٧ ـ ٣٧.