فلن يكون من الخطأ تتبعنا له بالتوازي مع تاريخ بغداد ، فكربلاء لم تكن بعيدة عن التطورات والتغييرات الهامة التي حدثت في بغداد.
فعندما سقطت الدولة الأموية انتهت شهرة وقوة ونفوذ دمشق ، كما أن مركز العباسيين كان موجودا في أراضي العراق الحالية ، حيث كانت الكوفة (١) القريبة من الحدود الإيرانية عاصمة للدولة الجديدة (٢) ، ثم قام أول خليفة عباسي الخليفة أبو العباس السفاح بتأسيس عاصمة دولته على ضفاف نهر الفرات ، ولم يرغب الخليفة العباسي في جعل الكوفة ـ وهي من المدن الأولى التي فتحت في العراق ـ مركزا للدولة ، وذلك لميل أهاليها إلى التشيع ، أما مدينة البصرة فلم يكن وضعها الجغرافي مساعدا لجعلها مركزا للدولة نظرا لوقوعها في الجنوب ، ولهذه الأسباب فضّل السفاح الإقامة في مدينة الهاشمية القربية من الأنبار ، أما الخليفة المنصور فقد أسس مدينة تحمل اسمه بالقرب من مدينة الكوفة ، ولكنه لم ينتقل إليها لوجودها بالقرب من مدينة الكوفة الشيعية ، وفي سنة (٧٦٢ م) اختار لنفسه مقرّا ليقيم فيه وهو قرية بغداد مع بعض الأماكن المأهولة المحيطة بها والواقعة في منطقة نهر دجلة أعلى نهر عيسى ، ذلك الرافد المائي الكبير المتفرع من نهر الفرات (٣) ، ومنذ ذلك التاريخ وبغداد تتطور يوما بعد يوم ، فكثرت بها المدارس والمكتبات والمراصد والمؤسسات الإسلامية الأخرى ، هذا بخلاف التطور المذهل الذي شهدته في مجال العمارة في عهدي هارون الرشيد والخليفة المأمون لكونها مركزا للعالم الإسلامي ، وبدأ العلماء يفدون إليها من كل مكان من أرجاء العالم الإسلامي (٤) ، ولم تصبح كربلاء مدينة إسلامية كبرى
__________________
(١) للاستزادة انظر :Mahfi Soylemez, Bedevilikten Hadarilige Kufe, Ankara ١٠٠٢.
(٢) Philip Hitti, Islam Tarihi : Siyasive Kulturel,) cev : Salih Tug (, Istanbul ٠٨٩١, s. ٢, s. ٠٤٤.
(٣) Hitti, a. g. e., II / ٦٤٤ ـ ٩٤٤.; Honigmann, a, g. m., VI / ٠٨٥.
(٤) El ـ BUSTANI ,S.٢.