فلم تنبعث ، فرجع فقعد ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأصحابه : «ليقم بعضكم فيركب الناقة» فقام علي رضياللهعنه فلما وضع رجله في غرز الركاب وثبت به ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أرخ زمامها ، وابنوا على مدارها فإنها مأمورة».
وروى الطبراني ـ وفيه من لم يعرف ـ عن جابر أيضا قال : لما قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة قال لأصحابه : «انطلقوا بنا إلى أهل قباء نسلم عليهم ، فأتاهم فسلم عليهم ، فرحّبوا به ، ثم قال : يا أهل قباء ائتوني بأحجار من هذه الحرة ، فجمعت عنده أحجار كثيرة ، ومعه عنزة له (١) ، فخط قبلتهم ، فأخذ حجرا فوضعه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم قال : يا أبا بكر ، خذ حجرا فضعه إلى حجري ، ثم قال : يا عمر خذ حجرا فضعه إلى جنب حجر أبي بكر ، ثم قال : يا عثمان خذ حجرا فضعه إلى جنب حجر عمر ، ثم التفت إلى الناس فقال : ليضع كل رجل حجره حيث أحب على ذلك الخط.
متى بني مسجد قباء
قلت : وهو يقتضي أن هذا البنيان لم يكن عند قدوم النبي صلىاللهعليهوسلم إلى قباء ، بل بعد قدوم عثمان رضياللهعنه من الحبشة ؛ فإنه كان قد هاجر إلى أرض الحبشة فارا بدينه مع زوجته رقية بنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكان أول خارج إليها ، ثم هاجر الهجرة الثانية إلى المدينة ؛ فيمكن أن النبي صلىاللهعليهوسلم أسسه عند قدومه ، ثم بناه بعد ذلك ، وإلا فلم يكن عثمان رضياللهعنه حاضرا ، كذا نبه عليه بعضهم ولهذا قال السهيلي : أول من وضع حجرا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ثم أبو بكر ، ثم عمر ، ولم يذكر عثمان ، ثم قال : وصلّى فيه نحو بيت المقدس قبل أن يأتي المدينة ، انتهى. وسيأتي عند ذكره في المساجد عن عمر رضياللهعنه أنه قال : والذي نفسي بيده لقد رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأبا بكر وأصحابه ننقل حجارته على بطوننا ، ويؤسسه رسول الله صلىاللهعليهوسلم وجبريل يؤم به البيت ، ولم أر من نبه على تعيين زمان قدوم عثمان من الحبشة ، وسيأتي في بنائه صلىاللهعليهوسلم لمسجد المدينة أخبار تقتضي حضور عثمان له ، وهو محتمل أيضا للبناء الأول والثاني ، وسبق في الفصل قبله عد عثمان فيمن قدم المدينة قبل مقدم النبي صلىاللهعليهوسلم إليها ، وهو كذلك في كلام ابن إسحاق.
وقال المحب الطبري : الظاهر أن قدوم عثمان من الحبشة كان قبل هجرة النبي صلىاللهعليهوسلم أو بعدها وقبل وقعة بدر ؛ لأنه صح أنه كان في وقعة بدر متخلفا في المدينة على زوجته رقية بنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكانت مريضة ، ووقعة بدر في الثانية ، وكان قدوم أكثر مهاجري الحبشة في السابعة كما سيأتي ، والله أعلم.
__________________
(١) العنزة : أطول من العصا وأقصر من الرمح في أسفلها زجّ كزجّ الرمح يتوكأ عليها الشيخ الكبير.