فلما صاروا في الشعب ، إذا هم بالعبّاس في ثلاثين من بنيه ، فقالوا له : اعدل إلى عبد العزيز ، فشتمهم (١) فقال له منصور : والله لئن (٢) تقدّمت لأنفذن حصينك (٣) ـ وقال نوح بن عمرو بن حوي السكسكي : الذي لقي العبّاس بن الوليد يعقوب بن عبد الرّحمن بن سليم الكلبي ـ فعدل به إلى عبد العزيز ، فأبى عليه ، فقال له : يا بن قسطنطين ، لئن أبيت علي لأضربن الذي فيه عيناك ، فنظر العبّاس إلى هرم بن عبد الله بن دحية فقال : من هذا؟ قال : يعقوب بن عبد الرّحمن بن سليم فقال : أما والله إن كان لبغيضا إلى أبيه أن يقف ابنه هذا الموقف ، وعدل به إلى عسكر عبد العزيز ، ولم يكن مع العبّاس أصحابه ، وكان قد تقدّمهم مع بنيه ، فقال : إنّا لله ، فأتوا به عبد العزيز ، فقالوا له : بايع لأخيك يزيد بن الوليد ، فبايع ووقف ونصبوا راية وقالوا : هذه راية العبّاس بن الوليد ، وقد بايع لأمير المؤمنين يزيد بن الوليد ، فقال العبّاس : إنا لله ، خدعة من خدع الشيطان ، هلك بنو مروان ، فتفرّق الناس عن الوليد ، فأتوا العبّاس وعبد العزيز وظاهر الوليد بين درعين ، وأتوه بفرسين : السندي (٤) والزائد ، فقاتلهم ، فناداهم رجل : اقتلوا عدو الله قتلة لوط ، ارموه بالحجارة.
فلما سمع ذلك دخل القصر وأغلق الباب ، وأحاط عبد العزيز وأصحابه بالقصر ، فدنا الوليد من الباب فقال : أما فيكم رجل شريف له حسب وحياء أكلمه؟ فقال له يزيد بن عنبسة : كلمني ، قال : من أنت؟ قال : يزيد بن عنبسة ، قال : يا أخا السكاسك ، ألم أزد في أعطياتكم؟ ألم أدفع عليكم المؤن؟ ألم أعط فقراءكم؟ ألم أخدم زمناكم؟ فقال : ما ننقم عليك في أنفسنا ، ولكنا ننقم عليك في انتهاك ما حرّم الله ، وشرب الخمر ، ونكاح أولاد أبيك ، واستخفافك بأمر الله ، قال : حسبك يا أخا السكاسك ، فلعمري لقد أكثرت وأغرقت ؛ أنّ فيما أحلّ الله لي لسعة عما ذكرت ورجع إلى الدار ، فجلس وأخذ مصحفا ، وقال : يوم (٥) كيوم عثمان (٦) ، ونشر المصحف يقرأ ، فعلوا الحائط ، فكان أول من علا الحائط يزيد بن عنبسة السكسكي ، فنزل إليه وسيف الوليد إلى جنبه ، فقال له يزيد : نحّ سيفك ، فقال له الوليد : لو أردت السيف كان لي ولك حال غير هذه ، فأخذ بيد الوليد ، وهو يريد أن يحبسه ويؤامر فيه ، فنزل من الحائط
__________________
(١) الأصل وم : فشتموه ، والمثبت عن الطبري.
(٢) الأصل وم : لقد ، والمثبت عن الطبري.
(٣) الأصل وم : حصنك ، والمثبت عن الطبري ، وزيد بعدها : يعني درعك.
(٤) جاء في تاج العروس أن السندي اسم فرس هشام بن عبد الملك بن مروان.
(٥) الأصل : «يوما» والمثبت عن م ، والطبري.
(٦) يريد عثمان بن عفان ، فإنه لما قتل كان يقرأ في المصحف.