ووجّه منصور بن جمهور فأخذ شرقي القرى ، وهو تلّ مشرف في أرض ملساء على طريق نهيا إلى البخراء ، وكان العبّاس بن الوليد يتهيأ في نحو من خمسين ومائة من مواليه وولده ، فبعث العبّاس رجلا من بني ناجية يقال له حسين (١) إلى الوليد يخيّره بين أن يأتيه فيكون معه [أو يسير إلى يزيد بن الوليد ، فاتهم الوليد العباس ، فأرسل إليه يأمره أن يأتيه فيكون معه](٢) فلقي منصور بن جمهور الرسول ، فسأله عن الأمر ، فأخبره ، فقال له منصور بن جمهور : قل له : والله لئن رحلت من موضعك قبل طلوع الفجر لأقتلنك ومن معك ، فإذا أصبح فليأخذ حيث أحبّ ، فأقام العبّاس يتهيأ فلما كان في السحر (٣) سمعنا تكبير أصحاب عبد العزيز قد أقبلوا إلى البخراء فخرج خالد بن عثمان المخراش فعبأ الناس ، فلم يكن بينهم قتال حتى طلعت الشمس ، وكان مع أصحاب يزيد بن الوليد كتاب معلق في رمح : إنّا ندعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه صلىاللهعليهوسلم ، وأن يصير الأمر شورى ، فاقتتلوا ، فقتل عثمان الخشبي ، وقتل من أصحاب الوليد زهاء ستين رجلا ، وأقبل منصور على طريق نهيا ، فأتى عسكر الوليد من خلفهم ، فأقبل إلى الوليد وهو في فسطاطه ، ليس بينه وبين منصور أحد ، فلمّا رأيته خرجت أنا وعاصم بن ميسرة المعافري خليفة للمخراش فانكشف عبد العزيز ، ونكص أصحاب منصور إلى عبد العزيز بن هبيرة (٤) المعافري ، وكان الأبرش على فرس له ، فجعل يصيح بابن أخيه : يا بن اللخناء ، قدّم رأيتك ، فقال له : لا أجد متقدما ، إنها بنو عامر ، وأقبل العبّاس بن الوليد ، فمنعه أصحاب عبد العزيز ، وشدّ مولى لسليمان بن عبد الله بن دحية يقال له التركي على الحارث ابن العبّاس بن الوليد ، فطعنه طعنة أذراه عن فرسه ، فعدله العبّاس بن الوليد إلى عبد العزيز ، فأسقط (٥) في أيدي أصحاب الوليد ، وانكسروا (٦) ، فبعث الوليد بن يزيد الوليد بن خالد إلى عبد العزيز بأنه يعطيه خمسين ألف دينار ، ويجعل له ولاية حمص ما بقي ، ويؤمنه على كلّ حدث ، على أنه ينصرف ويكفّ ، فأبى ، ولم يجبه ، فقال له الوليد : ارجع إليه فعاوده ، فأتاه الوليد ، فلم يجبه إلى شيء ، فانصرف الوليد حتى إذا كان غير بعيد عطف دابّته ، فدنا من عبد العزيز فقال له : أتجعل لي خمسين (٧) ألف دينار وللأبرش مثلها ، وأن أكون كأخص رجل من
__________________
(١) كذا بالأصل وم ، وفي تاريخ خليفة : حبيش.
(٢) ما بين معكوفتين سقط من الأصل ، واستدرك للإيضاح عن «ز» ، وم.
(٣) الأصل وم : السجن ، والمثبت عن الطبري.
(٤) تقرأ بالأصل وم : ميسرة ، والمثبت عن الطبري.
(٥) الأصل وم : فسقط ، والمثبت عن الطبري.
(٦) الأصل وم : فانكسر ، والمثبت عن الطبري.
(٧) كذا بالأصل وم ، وفي تاريخ الطبري : خمسة آلاف دينار.