الإسلام. وأمره تعالى بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا ، أو يؤدوا الجزية. فقال تعالى (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ) [التوبة : الآية ٢٩]. قد دخل في ذلك من تعلق من العرب بدين أهل الكتاب ، فأخذ النبيّ صلىاللهعليهوسلم الجزية من أهل نجران وأيلة وهم نصارى من العرب ، ومن أهل دومة الجندل وهم نصارى وأكثرهم عرب ، ولم يستثن الله تعالى أخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ، وأمر نبيه صلىاللهعليهوسلم بقتال غيرهم ، ثم نسخ من ذلك المجوس على لسان نبيه عليهالسلام فيما بين لهم من سنته بغير تنزيل قرآن فأحل لهم أخذ جزية من مجوس العجم إذ رضوا بها ، وأقر مشركي العرب وهم عبدة الأوثان على أن يقاتلهم حتى يدخلوا في الإسلام بلا جزية استثناها فيهم إكراما للعرب.
والذي ذكر ابن حبيب من نسخ القرآن بالسنة اختلف العلماء فيه فأجازه أصحاب مالك واحتجوا بقول النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «لا وصية لوارث» (١). ناسخ لقول الله عزوجل : (الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) [البقرة : الآية ١٨٠]. واحتج الذين منعوا منه بأن القرآن معجزة والسنة غير معجزة فلا تنسخ السنة القرآن إنما تبينه ، ولقوله عزوجل : (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ) [النّحل : الآية ١٠١]. ولقوله لنبيه صلىاللهعليهوسلم (قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي) [يونس : الآية ١٥].
وذكر عبد الرزاق في مصنفه وأبو عبيد في كتاب الأموال : أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أمر معاذ بن جبل أن يأخذ من أهل اليمن الجزية من كل حالم وحالمة. زاد أبو عبيد : عبدا أو أمة : دينارا أو قيمته معافر (٢) ، وبهذا أخذ الشافعي ، وأخذ مالك بما فرض عمر بن الخطاب ـ رضياللهعنه ـ أربعة دنانير على أهل الذهب وأربعون درهما على أهل الورق ولا جزية على النساء والعبيد ، ومعنى الحديث عند بعض أهل العلم أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم علم ضعف أهل اليمن ، وعمر علم غنى أهل الشام وقوتهم ، وقال أشهب (٣). في الأمم كلها إذا بذلت الجزية قبلت منهم فأهل الكتابين بكتاب الله والمجوس بالسنة ، وقال ابن وهب : إنما قاتل النبيّ صلىاللهعليهوسلم قريشا على الإسلام أو السيف فمن كان من العرب من تغلب وتنوخ وغيرهم لم يدخل في ملة لم يقبل منه الجزية ويقاتلون على الإسلام ، ومن دخل منهم في دين أحد من أهل الكتب قبلت منه الجزية.
__________________
(١) رواه الترمذي (٢١٢١) ، وأبو داود (٣٥٦٥) من حديث أبي أمامة رضياللهعنه. وقال الترمذي : حديث حسن.
(٢) رواه عبد الرزاق في المصنف (٦٨٤١) ، والطيالسي (٥٦٧) ، وأبو داود (٣٠٣٨) وقال ابن عبد البر في التمهيد (٢ / ٢٧٥) : وقد روي هذا الخبر عن معاذ بإسناد متصل صحيح ثابت. ذكره عبد الرزاق.
(٣) أشهب هو ابن عبد العزيز بن داود الإمام الثقة. مفتي مصر. أبو عمرو القيسي العامري يقال اسمه مسكين. وأشهب لقب له. سمع مالك بن أنس ، والليث بن سعد ، ويحيى بن أيوب. قال فيه الشافعي : ما أخرجت مصر أفقه من أشهب لو لا طيش فيه. كان على خراج مصر وكان صاحب أموال وحشم توفي لثمان بقين من شعبان سنة أربع ومائتين.