الخيمة التي كنا قد أعددناها خصيصا في حلب لتغطية القارب كله من كوثله (١) إلى مقدمته. ولما كان المناخ باردا فنحن الآن في الخامس من كانون الثاني (٢) ، لم نستطع تحمل البرد القارس ، لذا ابقينا أربعة رجال في المركب يقومون على حراسته نهارا وليلا. أما نحن فقد ذهبنا ونزلنا في دار مصطفى حتى يحين موعد سفرنا. وكان الرجل ـ والحق يقال ـ مضيفا ورفيقا كريما ، فبذل قصارى جهده من أجل راحتنا في بيته ، وإعادة الطمأنينة إلى نفوسنا لطرد الأفكار السوداء عنها ، لأن الخوف كان قد دب إلى قلوبنا مصحوبا بالقلق في الليالي الثلاث السابقة إذ كنا بين حلب وبيره جك نخشى أن يداهمنا القتلة بين لحظة وأخرى ، فقد قيل لنا أن ذاك الطريق خطر ويعج بأعداد كبيرة من اللصوص. وقد بلغنا إذ كنا في حلب قبل أن نبارحها بأربعة أيام أن قافلة محملة بالحرير داهمها اللصوص فسرقوها وقتلوا ثلاثة رجال منها وجرحوا أثنين. لكن ذلك لم يحدث لنا ، فدليلنا انكشاري (٣) وهو رئيس القافلة ، وفي ركابنا عدد
__________________
(١) الكوثل أي مؤخر السفينة.
(٢) التاريخ مغلوط كما سيظهر بعد أسطر.
(٣) أي الجند الجديد (تركية) لعبوا دورا مهما في الدولة العثمانية ودام أمرهم من القرن الرابع عشر حتى سنة ١٨٢٦ عند ما تمردوا وطغوا فقضى عليهم السلطان محمود الثاني ، وكانوا يعرفون أيضا بأسم ينجرية. أنظر :