[البقرة ٢ / ١٨٥] ، وقال سبحانه : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ ، إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) [الدخان ٤٤ / ٣] ، وقال تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ...) [القدر ٩٨ / ١]. واستمر نزول القرآن في مدى ثلاث وعشرين سنة إما في مكة وإما في المدينة وإما في الطريق بينهما أو في غيره من الأماكن.
وكان نزوله إما سورة كاملة كالفاتحة والمدثر والأنعام ، أو عشر آيات مثل قصة الإفك في سورة النور ، وأول سورة المؤمنين ، أو خمس آيات ، وهو كثير ، أو بعض آية ، مثل : (غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) [النساء ٤ / ٩٥] بعد قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النساء ٤ / ٩٥] ومثل قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ، إِنْ شاءَ ، إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة ٩ / ٢٨] ، فإنه نزل بعد : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ، فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) [التوبة ٩ / ٢٨].
وتعددت حكمة إنزال القرآن منجما ، بسبب المنهج الإلهي الذي رسم به طريق الإنزال ، كما قال تعالى : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ ، وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) [الإسراء ١٧ / ١٠٦].
من هاتيك الحكم : تثبيت قلب النّبي صلىاللهعليهوسلم وتقوية فؤاده ليحفظه ويعيه ، لأنه كان أميّا لا يقرأ ولا يكتب ، قال الله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا : لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً ، كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ ، وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) [الفرقان ٢٥ / ٣٢].
ومنها : مراعاة مقتضيات التدرّج في التشريع ، وتربية الجماعة ، ونقلها على مراحل من حالة إلى حالة أحسن من سابقتها ، وإسبال الرحمة الإلهية على العباد ، فإنّهم كانوا في الجاهلية في إباحية مطلقة ، فلو نزّل عليهم القرآن دفعة واحدة ، لعسر عليهم التكليف ، فنفروا من التطبيق للأوامر والنواهي.