أخرج البخاري عن عائشة رضياللهعنها قالت : «إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل ، فيها ذكر الجنة والنار ، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام ، نزل الحلال والحرام ، ولو نزل أول شيء : لا تشربوا الخمر ، لقالوا : لا ندع الخمر أبدا ، ولو نزل : لا تزنوا ، لقالوا : لا ندع الزنا» (١).
ومنها : ربط نشاط الجماعة بالوحي الإلهي : إذ إن اتصال الوحي بالنّبي صلىاللهعليهوسلم يساعده على الصبر والمصابرة ، وتحمل المشاق والمصاعب وأنواع الأذى التي كابدها من المشركين ، كما أنه وسيلة لتقوية العقيدة في نفوس الذين أسلموا ، فإذا نزل الوحي علاجا لمشكلة ، تأكد صدق النّبي صلىاللهعليهوسلم في دعوته ، وإذا أحجم النّبي عن جواب مسألة ، ثم جاءه الوحي ، أيقن المؤمنون بصدق الإيمان واطمأنوا إلى سلامة العقيدة ، وأمان الدّرب الذي سلكوه ، وزادت ثقتهم بالغايات والوعود المنتظرة التي وعدهم الله بها : إما بالنصر على الأعداء أو المشركين في الدنيا ، وإما بالفوز بالجنة والرضا الإلهي ، وتعذيب الكفار في نار جهنم.
المكي والمدني من القرآن :
كان للوحي القرآني صبغتان أو لونان جعلت منه نوعين هما : المكي والمدني ، وانقسمت بالتالي سور القرآن إلى مكية ومدنية.
أما المكي : فهو ما نزل في مدى ثلاث عشرة سنة قبل الهجرة ـ هجرة النّبيصلىاللهعليهوسلم من مكة إلى المدينة ـ سواء نزل في مكة أو في الطائف أو في أي مكان
__________________
(١) هذا وقد ذكر الزمخشري في الكشاف : ١ / ١٨٥ وما بعدها أسباب تفصيل القرآن وتقطيعه سورا ، منها أن تنوع البيان للجنس الواحد أحسن وأجمل وأفخم من أن يكون بيانا واحدا. ومنها إثارة النشاط والحث على الدرس والتحصيل من القرآن خلافا لو استمر الكتاب جملة واحدة ، ومنها اعتزاز الحافظ بطائفة مستقلة من القرآن بعد حفظها ، ومنها أن التفصيل بمشاهد عديدة سبب لدعم المعاني ، وتأكد المراد واجتذاب الأنظار.