فقيل : إنه سمع كلاما ليس بحروف وأصوات ، وليس فيه تقطيع ولا نفس ، فحينئذ علم أن ذلك ليس هو كلام البشر ، وإنما هو كلام رب العالمين.
وقيل : إنه لما سمع كلاما لا من جهة ، وكلام البشر يسمع من جهة من الجهات الست ، علم أنه ليس من كلام البشر.
وقيل : إنه صار جسده كله مسامع حتى سمع بها ذلك الكلام ، فعلم أنه كلام الله.
وقيل فيه : إن المعجزة دلت على أن ما سمعه هو كلام الله ، وذلك أنه قيل له : ألق عصاك ، فألقاها فصارت ثعبانا ، فكان ذلك دليلا على صدق الحال ، وأن الذي يقول له: (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) [طه ٢٠ / ١٢] هو الله جل وعز (١).
وسبب نزول الآية (٧٦): هو ما قاله مجاهد : قام النّبي صلىاللهعليهوسلم يوم قريظة تحت حصونهم ، فقال : يا إخوان القردة ، ويا إخوان الخنازير ، ويا عبدة الطاغوت ، فقالوا : من أخبر بهذا محمدا ، ما خرج هذا إلا منكم ، أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ، ليكون لهم حجة عليكم ، فنزلت الآية.
وقال ابن عباس : كانوا إذا لقوا الذين آمنوا قالوا : آمنا أن صاحبكم رسول الله ، ولكنه إليكم خاصة. (وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا) : أيحدث العرب بهذا ، فإنكم كنتم تستفتحون به عليهم ، فكان منهم ، فأنزل الله : (وَإِذا لَقُوا) الآية.
وقال السدي : نزلت في ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا ، وكانوا يأتون المؤمنين من العرب ، بما تحدثوا به ، فقال بعضهم : (أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ
__________________
(١) تفسير القرطبي : ٢ / ٢