رضياللهعنه أقبل على فرس من مسكنه بالسّنح (١) ، حتى نزل ، فدخل المسجد ، فلم يكلّم الناس حتى دخل على عائشة ، فتيمم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو مغطّى (مغشى) بثوب حبرة (برد يمان) ، فكشف عن وجهه ، ثم أكبّ عليه وقبّله وبكى ، ثم قال : بأبي أنت وأمي ، والله لا يجمع الله عليك موتتين : أما الموتة التي كتبت عليك فقد متّها.
وقال الزّهري : وحدثني أبو سلمة عن ابن عبّاس أن أبا بكر خرج ، وعمر يكلّم الناس ، وقال : اجلس يا عمر ، قال أبو بكر : أما بعد ، من كان يعبد محمدا ، فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله ، فإنّ الله حيّ لا يموت ، قال الله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) ـ إلى قوله ـ (وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) قال : فو الله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها عليهم أبو بكر ، فتلاها منه الناس كلّهم ، فما أسمع بشرا من الناس إلا يتلوها. وروى ابن ماجه عن عائشة مثل ذلك (٢).
وقال الزّهري أيضا : وأخبرني سعيد بن المسيّب أن عمر قال : والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها ، فعرقت حتى ما تقلني رجالي ، وحتى هويت إلى الأرض.
وقال أبو القاسم الطبري بسنده ـ فيما حدثوا به ـ عن ابن عبّاس : أنّ عليّا كان يقول في حياة رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ) : والله لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا الله ، والله لئن مات أو قتل ، لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت ، والله إني لأخوه ووليه وابن عمه ووارثه ، فمن أحق به منّي (٣)؟
__________________
(١) موضع بعوالي المدينة ، وهي منازل بني الحارث بن الخزرج ، بينهما وبين منزل النّبي صلىاللهعليهوسلم ميل.
(٢) تفسير القرطبي : ٤ / ٢٢٢ ـ ٢٢٣
(٣) تفسير ابن كثير : ١ / ٤٠٩ ـ ٤١٠