ثم أخبر تعالى أنه لا يموت أحد إلا بقدر الله ، وحتى يستوفي المدة التي حددها الله له ، ولذا قال : (كِتاباً مُؤَجَّلاً) أي أثبته الله مقرونا بأجل معين ، ومؤقتا بوقت لا يتقدم ولا يتأخر ، فقد يظل الشجاع الذي تعرض لأهوال الحرب حيّا ، ويموت الجبان الذي تخبأ في مأواه. وهذا مثل قوله تعالى : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ) [فاطر ٣٥ / ١١] ، وقوله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ، ثُمَّ قَضى أَجَلاً ، وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) [الأنعام ٦ / ٢] ، وقوله : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [النحل ١٦ / ٦١].
فالأعمار محدودة ، والآجال محتومة ، والأقدار هي الحاكمة ، والله وحده هو المتصرف في كل شيء ، فيأذن بقبض كل نفس على وفق علمه دون تأخير ولا تقديم ، سواء في الحرب أو في السلم.
وفي هذه الآية تشجيع للجبناء ، وترغيب لهم في القتال ، فإن الإقدام والإحجام لا ينقص من العمر ولا يزيد فيه ، فكيف يسوغ الجبن والضعف ما دام العمر بيد الله ، وانقضاؤه بمشيئة الله؟
ثم بيّن الله تعالى غاية البشر : وهي إما إرادة الدّنيا ، وإما إرادة الآخرة. فمن قصد بعمله التوصل للدّنيا فقط ، ناله منها ما قدره الله له ، ولم يكن له في الآخرة من نصيب ، ومن قصد بعمله الدار الآخرة أعطاه الله من ثوابها وما قسم له من الدّنيا ، كما قال تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ، وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها ، وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) [الشورى ٤٢ / ٢٠] ، وقال تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ، ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً. وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ ، فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) [الإسراء ١٧ / ١٨ ـ ١٩] ، وآخر هذه الآية يطابق ما هاهنا : (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) أي سنعطيهم من