موقف أبي بكر الصديق يوم وفاة النبي صلىاللهعليهوسلم أدل دليل على شجاعته وجرأته ، فإن الشجاعة والجرأة : هما ثبوت القلب عند حلول المصائب ، ولا مصيبة أعظم من موت النبيصلىاللهعليهوسلم ، ففي ثباته واستدلاله بالآية : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ) تثبيت للمؤمنين ، وقطع لدابر الفتنة ، واستئصال لأوهام ومقالات الجاهلين.
وأما تأخر الصحابة عن دفن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، مع أن السنة تعجيل الدفن فلأمور ثلاثة : عدم اتفاقهم على موته ، وعدم علمهم بمكان دفنه ، حتى أخبرهم أبو بكر بقولهصلىاللهعليهوسلم : «ما دفن نبي إلا حيث يموت» (١) ، واشتغالهم بالخلاف الذي وقع بين المهاجرين والأنصار في البيعة ، حتى انتهوا إلى بيعة أبي بكر رضياللهعنه في مبدأ الأمر ، ثم بايعوه في الغد عن رضا واتفاق شامل.
ثم نظروا في دفنه عليه الصلاة والسلام وغسّلوه وكفنوه ، ثم صلوا عليه فرادى ، أخرج ابن ماجه بإسناد حسن صحيح عن ابن عباس : «فلما فرغوا من جهازه يوم الثلاثاء ، وضع على سريره في بيته ، ثم دخل الناس على رسول الله صلىاللهعليهوسلم أرسالا (٢) يصلّون عليه ، حتى إذا فرغوا أدخلوا النساء ، حتى إذا فرغن أدخلوا الصبيان ، ولم يؤمّ الناس على رسول اللهصلىاللهعليهوسلم أحد.
٤ ـ إن محمدا بشر كسائر الأنبياء ، وهم قد ماتوا ، وإن مهمة كل نبي وهي تبليغ الدين تنتهي بتحقيق الغرض المقصود ، ولا يلزم من ارتحالهم نقض رسالتهم. وإن المصائب التي تنزل بالإنسان لا صلة لها بكونه على حق أو باطل ، فقد يبتلى الطائع بأنواع المصائب ، والعاصي بأصناف النعم.
٥ ـ الموت أمر حتمي مقضي به في أجل معين لا يتجاوزه ولا يتقدم عنه لحظة ، وكل إنسان مقتول أو غير مقتول ميّت إذا بلغ أجله المكتوب له ، وهذا
__________________
(١) أخرجه ابن ماجه والموطأ وغيرهما.
(٢) أرسالا : أفواجا وفرقا متقطعة ، بعضهم يتلو بعضهم ، واحدهم : رسل.