فألفاظ الآية تقتضي التوبيخ لهم ، ووجه التوبيخ لهم : أنهم رأوا مبادئ النصر ، فكان الواجب أن يعلموا أن تمام النصر في الثبات ، لا في الانهزام.
ثم بين سبب التنازع فقال : (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا) يعني الغنيمة ، قال ابن مسعود : ما شعرنا أن أحدا من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم يريد الدنيا وعرضها ، حتى كان يوم أحد. وهؤلاء هم الذين تركوا أماكنهم على الجبل طلبا للغنيمة.
(وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) وهم الذين ثبتوا في مركزهم ، ولم يخالفوا أمر نبيهمصلىاللهعليهوسلم مع أميرهم عبد الله بن جبير ، فحمل خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل عليه ، وكانا يومئذ كافرين ، فقتلوه مع من بقي ، رحمهمالله.
والعتاب مع من انهزم ، لا مع من ثبت ، فإن من ثبت فاز بالثواب.
ثم بعد أن استوليتم عليهم ، ردكم عنهم بالانهزام ، فعل هذا ليمتحن إيمانكم ، ولقد عفا الله عنكم وغفر لكم ذلك الصنيع ، بذلك الابتلاء الذي محا أثر الذنب من نفوسكم وتاب عليكم لما ندمتم على ما فرطتم به ، والله ذو فضل على المؤمنين أي لم يستأصلكم بعد المعصية والمخالفة ، وربما كان سبب العفو والفضل والرحمة كثيرة عدد العدو وعددهم ، وقلة عدد المسلمين وعددهم.
ثم ذكّر هم الله تعالى ، فقال : اذكروا وقت أن صرفكم عنهم حين أصعدتم في الجبل أي ذهبتم منهزمين ، وأنتم لا تلتفتون لأحد من الدهش والخوف والرعب ، والحال أن الرسول قد خلفتموه وراء ظهوركم ، يدعوكم إلى ترك الفرار من الأعداء ، قائلا : «إلي عباد الله ، إلي عباد الله ، أنا رسول الله ، من يكرّ فله الجنة» وقال ابن عباس وغيره : كان دعاء النبي صلىاللهعليهوسلم : «أي عباد الله ارجعوا» فالرسول يدعوكم في آخركم ، جاء في البخاري : أخراكم : تأنيث آخركم. قال البراء بن عازب : جعل النبي صلىاللهعليهوسلم على الرّجّالة يوم أحد عبد الله بن جبير ، وأقبلوا منهزمين ، فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم. ولم يبق مع النبيصلىاللهعليهوسلم غير اثني عشر رجلا.