نقتل ، لكنّا أخرجنا كرها. فرد الله عليهم : (قُلْ : لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ ..) الآية ، أي أن من قدّر عليه القتل قاده أجله إلى الخروج في مكان فقتل فيه ، ولم ينجه قعوده في منزله ؛ لأن قضاءه تعالى كائن لا محالة.
التفسير والبيان :
والله لقد وفي لكم ربكم وعده النصر على العدو حين أخذتم تقتلونهم قتلا ذريعا وتفتكون بهم فتكا بتأييد الله ومعونته ومشيئته وإرادته.
صدقكم الله وعده ، حتى إذا جبنتم وضعفتم عن القتال واختلفتم في الرأي والعمل في تنفيذ أمر نبيكم بالثبات على جبل الرماة ، فقال بعضكم : فيم وقوفنا وقد انهزم المشركون؟ وقال آخرون : لا نخالف أمر الرسول صلىاللهعليهوسلم أبدا ، ولم يثبت إلا عبد الله بن جبير مع نفر من أصحابه ، لما حدث ذلك تأخر النصر وأحدقت الهزيمة بكم.
وبعبارة أخرى : فلما واجهتموهم كان الظفر والنصر أول النهار للإسلام ، ولما اختلفتم وحصل ما حصل من عصيان الرماة ، وفشل بعض المقاتلة ، تأخر الوعد الذي كان مشروطا بالثبات والطاعة (١).
عن عروة بن الزبير قال : وكان الله عزوجل وعدهم على الصبر والتقوى أن يمدّهم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين ، وكان قد فعل ؛ فلما عصوا أمر الرسول ، وتركوا مصافّهم. وترك الرّماة عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم إليهم ألا يبرحوا من منازلهم ، وأرادوا الدنيا ، رفع عنهم مدد الملائكة ، وأنزل الله تعالى : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ) فصدق الله وعده ، وأراهم الفتح ، فلما عصوا أعقبهم البلاء (٢).
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ١ / ٤١١ ـ ٤١٢
(٢) تفسير القرطبي : ٤ / ٢٣٥