والجماعة ـ ، وهم المهاجرون وعامة الأنصار الذين كانوا على بصيرة في إيمانهم ، كما قال ابن عباس ، أو هم أهل الإيمان واليقين والثبات والتوكل على الله ، وهم الجازمون بأنّ الله سينصر رسوله ، وينجز مأموله.
وطائفة أخرى قد أهمتهم أنفسهم أي حملتهم على الهم ، وملأ الخوف قلوبهم ، لعدم ثقتهم بنصر الله ، ولعدم إيمانهم بالرسول ، وهم جماعة من المنافقين كعبد الله بن أبي ومعتّب بن قشير وأتباعهم ، لا يغشاهم النعاس من القلق والجزع والخوف ، ولا يهتمون بأمر الرسول والدين ، وهم كما أخبر الله : (يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ) أي غير الظن الحق الذي يجب أن يظنوه ؛ إذ قالوا : لو كان محمد نبيا حقا ما تسلط عليه الكفار ، وهو قول أهل الشرك بالله.
وهذه الطائفة الثانية يسألون رسول الله صلىاللهعليهوسلم : هل لنا من الأمر والنصر والفتح نصيب؟ يعنون أنه ليس لهم من ذلك شيء ؛ لأنهم يعتقدون أن هذا ليس بحق. وهذا سبب خطئهم الفاحش ، فإن نصر الله رسله لا يمنع أن تكون الحرب سجالا ، والمهم تمام الأمر والعاقبة.
فرد الله تعالى عليهم : بأن كل أمر يجري فهو بحسب سنته تعالى في الخليقة ، تلك السنة القائمة على ربط الأسباب بالمسببات ، وأن الأمر والنصر كله لله ، لا لغيره ، وهو ناصر عباده المؤمنين كما وعدهم بقوله : (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) [المجادلة ٥٨ / ٢١] وقوله : (وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) [الصافات ٣٧ / ١٧٣].
وهؤلاء المنافقون يضمرون في أنفسهم العداوة والحقد ، ويتساءلون في الظاهر سؤال المؤمنين المسترشدين : (هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ) لكنهم يبطنون الإنكار والتكذيب والنفاق.
ويقولون في أنفسهم أو لبعضهم بعضا منكرين لقولك لهم : (إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ