لِلَّهِ) : لو كان الأمر كما قال محمد : إن الأمر كله لله ولأوليائه وإنهم الغالبون ، لما غلبنا قط ، ولما قتل من المسلمين من قتل في هذه المعركة ، فهم يربطون بين النبوة والنصر ، وأنه لو كان محمد نبيا ما هزم ، وفاتهم أن النصر من عند الله وتوفيقه ، وأن الهزيمة بسبب مخالفات المسلمين.
فرد الله عليهم بأن الآجال والأعمار بيد الله ، وأن النصر من عند الله ، وأن من كتب عليه القتل فلا بد أنه مقتول ، فلو كان في بيته وانتهى أجله ، لخرج إلى مكان مصرعه ، والحذر لا يمنع القدر ، والأمر كله بيد الله.
وقد فعل الله ما فعل من إلحاق الهزيمة بالمسلمين في نهاية غزوة أحد ، ليمتحن ما في صدور المؤمنين من الإخلاص والثبات ، وليميز ما في القلوب من أمراض ووساوس الشيطان ، والله عليم بذات الصدور أي بالأسرار والخفيات ، فلا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ، وإنما فعل هذا لينكشف حال الناس ، وتظهر الحقائق ، وتنجلي مواقف المؤمنين الصابرين والمنافقين المخادعين.
وإن المؤمنين الذين انهزموا أو تركوا أماكنهم يوم التقاء الجمعين من المسلمين والمشركين في أحد ، إنما أوقعهم الشيطان فريسة له في الزلل والخطأ ، بسبب بعض ما كسبوا من ذنوبهم ، ومعناه أن الذين انهزموا يرم أحد ، كان السبب في توليهم الأدبار : أنهم كانوا أطاعوا الشيطان ، فاقترفوا ذنوبا أدت بهم إلى منع التأييد وتقوية القلوب حتى تولوا. وهذا يدل على أن الذنب يجز إلى الذنب ، كما أن الطاعة تجر إلى الطاعة ، وتكون لطفا فيها ، كما قال الزمخشري (١). وتكون المصائب والعقوبات ومنها الهزائم آثارا للأعمال السيئة ، فإن من جزاء السيئة السيئة بعدها ، وإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها.
__________________
(١) الكشاف : ١ / ٣٥٦