ثم قال تعالى : (وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ) أي عما كان من الفرار ، ولم يؤاخذهم في الآخرة ، وجعل عقوبتهم في الدنيا درسا وتربية وتمحيصا ، وهذا يفتح أمامهم باب الأمل ، ويدفع استيلاء اليأس على نفوسهم.
إن الله غفور يغفر الذنوب جميعها صغيرها وكبيرها بعد التوبة والاعتراف بالتقصير ، حليم لا يعجل بالعقوبة على الذنب ، وإنما يترك فرصة للعبد لتصحيح أخطائه ، ومعالجة تقصيره.
فقه الحياة أو الأحكام :
الناس في الماضي كالناس في الحاضر يعيشون في الأحلام والخيالات ، فهم ينتظرون النصر منحة إلهية خالصة للمؤمنين ، دون أن يقوموا بواجباتهم ويعملوا بما تقتضيه متطلبات الحروب مع العدو ، فهم المكلفون من الخلق بالجهاد وحمل الأمانة ، وإذا جاهدوا وصبروا وثبتوا ، أيدتهم العناية الإلهية ، وتحقق لهم النصر والفوز.
والله صادق الوعد بنصر المؤمنين ما داموا على الحق ثابتين ، وفي ميدان المعارك مجاهدين صابرين مطيعين متوحدين غير متفرقين ، وأما الجبن والضعف والتفرق والنزاع والأطماع الدنيوية فهي سبب الخذلان والهزيمة المنكرة ، وقد صدق الله وعده للمؤمنين في أحد ، وأراهم الفتح في بداية المعركة حين صرع صاحب لواء المشركين وقتل معه سبعة نفر ، فلما عصوا وخالفوا أمر النبي صلىاللهعليهوسلم بالثبات على جبل الرماة ، واشتغلوا بالغنيمة أعقبهم البلاء ، وأدى بهم إلى الجراح والقتل ، والهزيمة وفرار الناس من حول قائدهم النبي.
وتغير وجه المعركة من نصر إليه هزيمة ، فبعد أن استولى المسلمون على المشركين ردهم عنهم بالانهزام ، لقوله تعالى : (ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ) وهذا دليل على أن المعصية مخلوقة لله تعالى.