لا تكونوا كالذين كفروا الذين قالوا فيمن ماتوا أو قتلوا ما قالوا ، ليكون عاقبة ذلك القول حسرة في قلوبهم على من فقدوا ، تزيدهم ضعفا ، وتورثهم ندما ، فإذا كنتم مثلهم أصابكم من الحسرة مثل ما يصيبهم ، وتضعفون عن القتال كضعفهم.
فالله خلق هذا الاعتقاد في نفوسهم ليزدادوا حسرة على موتاهم وقتلاهم. ثم رد الله تعالى عليهم بقوله : (وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ) أي بيده الخلق والإيجاد ، وإليه يرجع الأمر والإعدام ، ولا يحيى أحد ولا يموت أحد إلا بمشيئته وقدره ، ولا يزاد في عمر أحد ، ولا ينقص منه شيء إلا بقضائه وقدره.
والله بما تعلمون بصير ، أي علمه وبصره نافذ في جميع خلقه ، لا يخفى عليه شيء من أمورهم ظاهرها وباطنها ، يعلم بما تكنّه النفوس وما تعتقده ، وإن لم تعبر عنه. وفي هذا ترغيب للمؤمنين وتهديد للكافرين.
والقتل في سبيل الله والموت أيضا وسيلة إلى نيل رحمة الله وعفوه ورضوانه ، وذلك خير من البقاء في الدنيا وجميع حطامها الفاني الذي يجمعونه.
فما أجدر المؤمن أن يؤثر مغفرة الله التي تمحو الذنوب ، ورحمته التي ترفع الدرجات على حظوظ الدنيا الفانية ، فما هو خالد باق خير مما هو مؤقت فان.
ثم حث سبحانه وتعالى على العمل في سبيل الله ؛ لأن المال إليه ، فأخبر بأن كل من مات أو قتل ، فمصيره ومرجعه إلى الله عزوجل ، فيجزيه بعمله إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، فبأي سبب كان هلاككم فإلى الله مرجعكم ، وتحشرون ، أي تجمعون إليه لا إلى غيره.
وهذا حث على العمل وبث لروح التضحية والجهاد من أجل العقيدة ورفع لواء الإسلام والدفاع عن الأوطان ، ووعد قاطع بأن من يقتل في سبيل الله فهو حي يرزق عند ربه ، وله عند الناس أطيب الذكر والثناء الجميل.