(أَوْ كانُوا غُزًّى) أي مقاتلين في الحرب ، واحدهم غاز (لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ) القول في عاقبة أمرهم (حَسْرَةً) ندامة في قلوبهم. (وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ) فلا يمنع الموت قعود.
المناسبة :
حذر الله تعالى في الآية السابقة من وسوسة الشياطين التي أدت إلى الهزيمة يوم أحد ، وحذر هنا من وسواس المنافقين أعوان الشياطين.
التفسير والبيان :
ينهى الله تعالى عباده المؤمنين ويحذرهم من مشابهة الكفار في اعتقادهم الفاسد الذي وضح بقولهم عن إخوانهم الذين ماتوا في الأسفار والحروب : لو كانوا تركوا ذلك لما أصابهم ما أصابهم.
يا أيها المؤمنون لا تكونوا كأولئك المنافقين الذين قالوا في شأن إخوانهم حين سافروا في البلاد للتجارة فماتوا ، أو كانوا غزاة محاربين فقتلوا : لو كانوا باقين عندنا ما ماتوا وما قتلوا.
لأن هذا جهل في الدين وضلال في الإيمان ؛ لأن الحياة والموت بيد الله ، كما قال : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً) [آل عمران ٣ / ١٤٥].
والقضاء والقدر لا يجعلان الإنسان مجبورا على أفعاله ؛ لأن القضاء : معناه تعلق العلم الإلهي بالشيء ، والعلم انكشاف وإحاطة بالشيء لا يقتضي الإلزام ؛ والقدر : وقوع الشيء بحسب العلم ، وعلم الله لا يكون إلا مطابقا للواقع ، وإلا كان جهلا. والإنسان مختار في أعماله ، لكنه ناقص القدرة والإرادة والعلم ، وله حدود لا يتعداها ، فقد يعزم على شيء أو يختار عملا ، ولكنه لا يحيط علما بأسباب الموت. ومتى وقع الشيء علم أن وقوعه لا بد منه ، وإذا كان الإنسان مؤمنا بمعونة الله وتأييده وأنه يوفقه إلى ما يجهل من أسباب سعادته ، يكون مع أخذه بالأسباب أنشط في العمل وأبعد عن العثرات والفشل.