غاية القرب ، لا عندية مكان ومسافة وقرب وحدود. والحياة التي أثبتها القرآن الكريم للشهداء حياة غيبية ، لا ندرك حقيقتها ، ونؤمن بها كما أخبر القرآن ، وقوله : (عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) فيه حذف مضاف : تقديره : عند كرامة ربهم.
وهؤلاء الشهداء مسرورون بما رأوه من نعيم مقيم وفضل كبير ، وتفضيل على غيرهم ، بسبب الشهادة ، وهم مسرورون أيضا بإخوانهم المجاهدين الذين لم يقتلوا بعد في سبيل الله ، وإنما هم على الطريق سائرون يقتفون أثر من تقدمهم من قوافل الشهداء ، حينما رأوا ما أعد لهم من الجزاء الحسن ، وهو الحياة الأبدية والنعيم الدائم الذي لا يكدره خوف من مكروه ولا حزن على ما فات.
وهم يفرحون أيضا بما يتجدد لهم من الثواب على عملهم والرزق والفضل الإلهي الذي يؤتيهم الله من الجنة ونعيمها ـ والفضل في هذه الآية : هو النعيم المذكور ـ وأن الله يأجرهم ، أي أنهم يستبشرون بنعمة من الله ، ويستبشرون بأن الله لا يضيع أجر المؤمنين.
وهذه الجملة بيان وتفسير لما تقدمها : (أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ؛ لأن من كان في نعمة الله وفضله لا يحزن أبدا ، ومن كانت أعماله مدخرا ثوابها لا يخاف العاقبة.
وذلك تحريض على الجهاد وترغيب في الاستشهاد. روى الإمام أحمد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لما أصيب إخوانكم يوم أحد ، جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ، ترد أنهار الجنة ، وتأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب ، في ظل العرش ..» إلخ الحديث المتقدم.
ثم وصفهم الله بحسن أعمالهم الذي هو سبب زيادة ثوابهم ، فأخبر تعالى أن هؤلاء المجاهدين الذين استجابوا لدعوة النبي صلىاللهعليهوسلم بالذهاب للقاء أبي سفيان في