وإن تؤمنوا بما جاؤوا به من أخبار الغيب ، وتتقوا الله بفعل ما أمر به واجتناب ما نهى عنه ، فلكم ثواب عظيم لا يستطيع أحد تحديد مقداره.
ويلاحظ أن القرآن يقرن دائما بين الإيمان والتقوى ، كما يقرن بين الصلاة والزكاة ، لتلازمهما والاعلام بأن الإيمان لا يكتمل إلا بهما ، ويقرن أيضا بين الجهاد بالنفس والجهاد بالمال.
وبما أن الآيات السابقة كانت في الحث على الجهاد والتحريض على بذل النفس ، أعقب ذلك الحث على بذل المال في الجهاد.
فلا يظننّ أحد أن بخل البخلاء خير لهم بكنز المال وادخاره ، وأن الجود والإنفاق يفقر ، وإنما هو شر عظيم على الأمة والفرد في الدنيا والآخرة ، والمراد بالبخل : حجب الزكاة المفروضة عن المستحقين ، وعدم الصدقة عند رؤية حاجات المحتاجين.
أما ضرر البخل في الدنيا فتعريض مال الغني للضياع والنهب والسرقة والأحقاد ، وفي عصرنا وغيره ظهور الحملات الشنيعة على الأغنياء المترفين ، وانتشار الأفكار والنظريات المسماة بالاشتراكية التي ظهرت لتقويض أركان الرأسمالية.
وأما ضرره في الآخرة والدين : فهو ما أخبر عنه تعالى بأنهم سيلزمون وبال بخلهم وعاقبة شحهم إلزام الطوق في العنق ، فلا يجدون مناصا ولا مهربا من توجيه اللوم والسؤال والعقاب على فعلهم. أخرج البخاري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من آتاه الله مالا ، فلم يؤد زكاته ، مثّل له شجاعا أقرع له زبيبتان ، يطوّقه يوم القيامة ، يأخذ بلهزمتيه ـ أي شدقيه ـ ثم يقول : أنا مالك ، أنا كنزك» ثم تلا هذه الآية : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ ، بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ ..) إلى آخر الآية.