والحقيقة أن لله ما في السموات والأرض مما يتوارثه أهلهما من مال وغيره ، فكيف يصح لقوم يبخلون عليه بملكه ، ولا ينفقونه في سبيله. وهذا مثل قوله تعالى : (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) [الحديد ٥٧ / ٧] فإن الأمور كلها مرجعها إلى الله عزوجل ، فقدموا من أموالكم ما ينفعكم يوم معادكم ، والله خبير بنياتكم وضمائركم وأعمالكم ، لا تخفى عليه خافية منها ، ويجازي كل نفس بما كسبت من خير أو سوء.
فقه الحياة أو الأحكام :
لا داعي للغم والحزن على مناصرة الكفار واليهود والمنافقين ألوان الكفر ، فهم لن يضروا إلا أنفسهم ، بتعريضها للعذاب الشديد ، وبالإعلام عن سوء تصرفهم وسخف عقولهم وخطأ رأيهم ، ولن يضروا بالتأكيد النبي صلىاللهعليهوسلم ، فإن المطلوب منه هو الإبلاغ ، والله مؤيده وناصره وحافظه وعاصمه من الناس.
لكن قال القشيري : والحزن على كفر الكافر طاعة ، ولكن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يفرط في الحزن على كفر قومه ، فنهي عن ذلك ، كما قال : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) [فاطر ٣٥ / ٨] وقال : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) [الكهف ١٨ / ٦].
ولن يضروا الله شيئا أي لا ينقصون من ملك الله وسلطانه شيئا بكفرهم. وقد أكد تعالى هذا المعنى في كلتا الآيتين (١٧٦ ، ١٧٧) فهم سواء بادروا إلى نصرة الكفر ، أو أخذوا الكفر بدلا عن الإيمان ، لن يضروا الله شيئا قليلا ولا كثيرا ، وإنما يضرّون أنفسهم بما أوجبوا لها من العذاب الأليم.
والله تعالى لا يعجل أحدا بعقوبة على ذنب ولو كان الذنب كالكفر كبيرا ، وإنما يمهله ويزيد في عمره ويوفر له رغد العيش ليتوب ويتمكن من العمل الصالح ، فكأن شأن الإمهال وإطالة العمر أن يحقق الأثر المنشود وهو الإيمان