(مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) أي من معزومات الأمور التي يعزم عليها لوجوبها. والمعنى : أن الصبر والتقوى من صواب التدبير ، وقوة الإرادة ، وكمال العقل والفكر ، ومن الأمور المحتمة التي لا يجوز التساهل فيها.
سبب النزول :
نزول الآية : (وَلَتَسْمَعُنَّ ..) : روى ابن أبي حاتم وابن المنذر بسند حسن عن ابن عباس أنها نزلت فيما كان بين أبي بكر وفنحاص من قوله السابق : (إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ).
وذكر عبد الرزاق : أنها نزلت في كعب بن الأشرف فيما كان يهجو به النبيصلىاللهعليهوسلم من الشعر ، ويحرض عليه كفار قريش في شعره.
المناسبة :
كانت الآيات السابقة تسلية وتعزية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، واستمرت هذه الآيات في زيادة تسليته بأن كل ما تراه من عنادهم فهو منته إلى غاية ، وكل آت قريب ، فلا تضجر ولا تحزن ، وإنهم سيجازون على أعمالهم يوم القيامة ، فإن أمد الدنيا قريب ، ويوم القيامة يوم الجزاء.
وهي أيضا خطاب للمؤمنين ليوطنوا أنفسهم على احتمال ما سيلقون من الأذى والشدائد والصبر عليها ، حتى إذا فاجأتهم بغتة ، وهم مستعدون لتحملها ، لم يرهقهم شيء ، كما يرهق غير المؤمن فتضيق نفسه ويشمئز ويكره الحياة.
التفسير والبيان :
هذا إخبار عام من الله تعالى يعم جميع الخلائق بأن كل نفس ذائقة الموت ، كقوله تعالى : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ. وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) [الرحمن ٥٥ / ٢٦ ـ ٢٧] فكل الجن والإنس والملائكة وحملة العرش يموتون ، والله وحده الحي القيوم الذي لا يموت ، ينفرد بالديمومة والبقاء ، فيكون آخرا كما كان أولا.