وفي الآية تعزية لجميع الناس ، فإنه لا يبقى أحد على وجه الأرض وفي السماء حتى يموت ، وتذوق كل نفس طعم مفارقة الروح البدن. ثم يوم القيامة توفى كل نفس بما عملت ، من خير أو شر ، وتعطى ثواب عملها الطيب كاملا غير منقوص ، ويجازى المسيء الجزاء الأوفى ، فلا تظلم نفس شيئا ، وإن كان مثقال ذرة.
وفي ذكر توفية الأجور على الطاعات والمعاصي إشارة إلى أن بعض الأجور من خير أو شر قد تصل إليهم في الدنيا أو في القبور ، بدليل ما أخرجه الترمذي والطبراني مرفوعا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم : «إن القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار».
فمن نحّي عن النار وأبعد عنها وأدخل الجنة ، فقد فاز بالمقصد الأسمى والمطلوب الأعلى الكامل ، ورد عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «من أحب أن يزحزح عن النار ، ويدخل الجنة ، فلتدركه منيته ، وهو مؤمن بالله واليوم الآخر ، ويأتي إلى الناس ما يحب أن يؤتي إليه». وهذا شامل للمحافظة على حقوق الله وحقوق العباد. وروى ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «موضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها». اقرؤوا إن شئتم : (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ ، وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ). فاللهم وفقنا لما ندرك به الفوز بالجنة والنجاة من النار.
وما الحياة الدنيا التي نعيشها ونستمتع بها باللذات الجسدية من طعام وشراب والمعنوية من جاه ومنصب وسمو إلا كالمتاع المشترى بخداع وتغرير ، ثم يتبين فساده ورداءته ؛ لأن صاحبها دائما مغرور مخدوع بها ، أو لأنها حقيرة متروكة فانية زائلة ، كما قال تعالى : (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا ، وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى) [الأعلى ٨٧ / ١٦ ـ ١٧] وقال : (وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها ،