وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى) [القصص ٢٨ / ٦٠] وفي الحديث : «والله ما الدنيا في الآخرة إلا كما يغمس أحدكم أصبعه في اليم ، فلينظر بم يرجع» (١).
وتهوين شأن الدنيا على هذا النحو لمن آثرها على الآخرة ، قال سعيد بن جبير : «إنما هذا لمن آثرها على الآخرة ، فأما من طلب الآخرة بها فإنها متاع بلاغ» (٢). فمن فضل الدنيا على الآخرة ، كان كمن اشترى صفقة خاسرة ، غشه فيها البائع ودلس عليه ، ثم تبين له فسادها ورداءتها.
ثم أراد تعالى بعد غزوة أحد توطين النفس وتربيتها على تحمل الأهوال والشدائد والمصائب ، فخاطب النبي المصطفى صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين مخبرا إياهم : أن الدنيا دار ابتلاء واختبار في الأنفس والأموال ؛ ففي الأنفس : بالقتل والأسر والجراح وأنواع المخاوف والمصائب ، وفي الأموال : بالإنفاق في سبل الخير وما يقع فيها من الآفات ، وهي مثل قوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ ، وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة ٢ / ١٥٥].
وأن المسلمين ونبيهم يسمعون ما يؤذيهم أذى كثيرا من اليهود والنصارى ومشركي العرب ، والأذى قد يتناول الدين والقرآن والنبي صلىاللهعليهوسلم. ولكن الله تعالى قال للمؤمنين عند مقدمهم المدينة قبل وقعة بدر ، مسليا لهم عما ينالهم من الأذى من هؤلاء ، وواصفا لهم العلاج الناجع وهو الصفح والصبر والعفو والتزام تقوى الله بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات ، فإن تحقق منهم ذلك آتاهم أجرين من رحمته ؛ لأن الصبر والتقوى من معزومات الأمور ، أي التي ينبغي أن يعزمها كل أحد.
__________________
(١) رواه أحمد ومسلم وابن ماجه عن المستورد.
(٢) الكشاف : ١ / ٣٦٦