ويظهروه من غير كتمان شيء منه ، وألا تحريف أو تأويل لبعض نصوصه ، وتبيانه للمؤمنين به لهدايتهم وإرشادهم ، ولغير المؤمنين به لدعوتهم إليه.
لكنهم نبذوا كتابهم وراء ظهورهم ، وتركوا التوراة والإنجيل ، وكان منهم فئة يحملونه دون فهم ولا وعي لما جاء فيه ، وفئة أخرى حرّفوه وأولوه على غير وجهه الصحيح ، واشتروا به ثمنا قليلا من حطام الدنيا ، أي أخذوا عوضا عنه فائدة دنيوية حقيرة كالشهرة الزائفة ، والرياسة الظاهرة ، والمال الزائل ، فكانوا في الحقيقة مغبونين في هذا البيع أو المبادلة ، إذ تركوا الغالي الثمين في الدنيا والآخرة وهو الخير الذي وعدوا به ، وأخذوا التافه الحقير ، وهو الرشاوى والهبات والمنح المالية ليحافظوا على كيانهم ومراكزهم.
فبئس الشيء المشترى من شرائهم ؛ لأنهم جعلوا الفاني بدلا من النعيم الدائم.
وهذا يدل على وجوب نشر العلم وتعليمه للناس ، قال علي كرّم الله وجهه : ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلّموا. وقال الحسن البصري : لولا الميثاق الذي أخذه الله تعالى على أهل العلم ما حدثتكم بكثير مما تسألون عنه.
ثم بيّن تعالى موقف المرائين المتكثرين من أهل الكتاب والمنافقين بما لم يعطوا ، كما جاء في الصحيحين عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «من ادعى دعوى كاذبة ليتكثر بها ، لم يزده الله إلا قلّة» وفي الصحيحين أيضا عن النبي صلىاللهعليهوسلم «المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور».
هذه حال أخرى من أحوال أهل الكتاب وغيرهم ، ليحذر الله المؤمنين منها ، فلا تظنن يا محمد أن الذين موّهوا الحقائق ، وكتموا العلم الصحيح ودلّسوا عليك ، وفرحوا بما أتوا من التأويل والتحريف للكتاب ، ورأوا لأنفسهم شرفا فيه وفضلا يستحقون أن يحمدوا بأنهم حفّاظ الكتاب ومفسروه ، ويشكروا على شيء بغير