وليس المقصود من قوله : (فَكُلُوهُ) صورة الأكل ، وإنما المراد به الاستباحة بأي طريق كان. وهو معنى قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) ليس المراد نفس الأكل ؛ إلّا أن الأكل لما كان أوفى أنواع التمتّع بالمال عبّر عن «التّصرفات» بالأكل.
ونظيره قوله تعالى : (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) [الجمعة ٦٢ / ٩] إن صورة البيع غير مقصودة ، وإنما المقصود ما يشغله عن ذكر الله تعالى مثل النّكاح وغيره ، ولكن ذكر البيع ؛ لأنه أهم ما يشتغل به عن ذكر الله تعالى.
٤ ـ إيجاب المهر في الخلوة الصحيحة : احتجّ الجصاص (١) بقوله تعالى : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) على إيجاب المهر كاملا للمخلو بها خلوة صحيحة ، ولو طلقت قبل الدخول (المساس). ويلاحظ أن الآية عامة في كلّ النساء ، سواء المخلو بها وغيرها ؛ إلّا أن قوله تعالى : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) يدلّ على أنه لا يجب للمخلو بها إلّا نصف المهر ، وهذه الآية خاصة ، والخاص مقدم على العام.
الحكمة من تعدد الزوجات :
الوضع الطبيعي وهو الأشرف والأفضل أن يكون للرجل زوجة واحدة ، لأن الغيرة مشتركة بين الزوج والزوجة ، فكما أن الزوج يغار على زوجته ، كذلك الزوجة تغار على زوجها.
ولكن الإسلام أباح التعدّد لضرورة أو حاجة وقيّده بقيود : القدرة على الإنفاق ، والعدل بين الزّوجات ، والمعاشرة بالمعروف. والإباحة لأحوال استثنائية منها :
__________________
(١) أحكام القرآن : ٢ / ٥٧