ويكون المقصود بالآية حث الأولياء على حفظ أموال اليتامى وإحسان القول إليهم ، بتذكيرهم حال أنفسهم وذرياتهم من بعدهم ليتصوروها ويعتبروا بها ، وذلك من أقوى البواعث على العظة والاعتبار ، فالإنسان كما يدين يدان ، وهو مطالب بأن يعامل الناس بما يحب أن يعاملوه به.
وتكون الآية مرتبطة بما قبلها ؛ لأن قوله تعالى : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ) في معنى الأمر للورثة ، أي أعطوهم حقهم ، وليحفظ الأوصياء ما أعطوه ، ويخافوا عليهم كما يخافون على أولادهم.
ثمّ أكّد الله تعالى الأوامر والنواهي السابقة وقررها وذكّر بالعقاب الشديد لمن يأخذ مال اليتيم ظلما بغير حق ، وهو دخول النار وإحراقهم بها ، وهي نار مستعرة شديدة الإحراق ، وقودها الناس والحجارة ، وقانا الله منها.
وذكر البطون مع أن الأكل لا يكون إلا فيها يقصد به إما ملء بطونهم نارا للنهاية ، وإما للتأكيد والمبالغة ، كما في قوله تعالى : (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) [آل عمران ٣ / ١٦٧] ، والقول لا يكون إلا بالفم ، وقوله : (وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج ٢٢ / ٤٦] ، والقلوب لا تكون إلا في الصدور ، وقوله : (وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) [الأنعام ٦ / ٣٨] ، والطير لا يطير إلا بجناحين ، الغرض من ذلك كله التأكيد والمبالغة ، كما أن فيه تبشيعا لأكل مال اليتيم في حالة الظلم.
وفي تقييد الأكل بحالة الظلم دلالة على مشروعية أخذ مال اليتيم بحق ، كأجرة العمل ، والقرض مثلا ، وذلك لا يعدّ ظلما ولا الآكل الآخذ ظالما.
والتعبير بالأكل يقصد به جميع وجوه الانتفاع والإتلاف والاستهلاك ، ولكن عبّر به لأنه أهم حالات الانتفاع.