المناسبة :
أشار الله تعالى في الآية السابقة إلى أن توبة اللذين أتيا الفاحشة توجب ترك العقوبة والتعنيف وإزالة الإيذاء ، فناسب أن يبين شروط قبول التوبة ووقتها.
التفسير والبيان :
إنما قبول التوبة والمغفرة متحقق على الله تفضلا وإحسانا للذين يتورّطون في ارتكاب المعصية ، ويقعون فيها جاهلين لا يقدرون الآثار والنتائج والمخاطر ، ولم يصرّوا على المعصية ؛ لأنهم فعلوها بدافع الهوى والشيطان ، ثم تابوا قبل الغرغرة ولو بعد معاينة الملك يقبض الروح.
وليس المقصود بالجهالة عدم العلم بالتحريم ؛ لأن كل مسلم مطالب بتعلم ما هو حرام شرعا ، وإنما المراد تغلب الطيش والسفه على النفس عند ثورة الشهوة أو سورة الغضب.
قال مجاهد وغيره : كل من عصى الله خطأ أو عمدا فهو جاهل حتى ينزع عن الذنب. وذكر قتادة عن أبي العالية : أنه كان يحدث أن أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم كانوا يقولون : كل ذنب أصابه عبد فهو جهالة (١). وقال عبد الرّزاق : أخبر معمر عن قتادة قال : اجتمع أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فرأوا أن كل شيء عصي الله به فهو جهالة ، عمدا كان أو غيره. بدليل قوله تعالى : (قُلْ : يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) [الزمر ٣٩ / ٥٣] فليس المراد بالجهالة : أن يعمل السوء عالما به.
ويؤكد ذلك ما قال تعالى إخبارا عن يوسف عليهالسلام : (أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ) [يوسف ١٢ / ٣٣] ، وقال تعالى لنوح : (فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ، إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) [هود ١١ / ٤٦].
__________________
(١) رواه ابن جرير.