والسّبب في تسمية العاصي جاهلا وإن عصى عن علم : أنّ العاصي لربّه لو قدر ما معه من العلم بالثواب والعقاب ، لما أقدم على المعصية ، إذ هو لا يرتكبها إلا جاهلا بحقيقة الوعيد.
هذا هو الشرط الأول : إيقاع المعصية عن جهالة ، والشرط الثاني : أن يتوب الإنسان بعد الذنب بزمن قريب ، والزمن القريب كما قال ابن عباس : ما بينه وبين أن ينظر إلى ملك الموت. وقال الضّحاك : ما كان دون الموت فهو قريب. ومن : للتبعيض ، والمعنى : ثم يتوبون بعد وقت قريب. وسمي ما بين وقوع المعصية وبين حدوث الموت زمنا قريب ، ففي أي جزء من هذا تاب فهو تائب من قريب ، وإلا فهو تائب من بعيد.
ثم أكّد تعالى مبدأ قبول التوبة بالشرطين المذكورين فقال :
أولئك الذين فعلوا الذنب بجهالة ، وتابوا بعد زمن قريب ، يتوب الله عليهم ؛ لأنهم لم يصرّوا على ما فعلوا.
وكان الله عليما بضعف الإنسان أمام الشهوة والغضب ، حكيما في قبول توبة ذلك الضعيف.
وبعد بيان حال من تقبل توبتهم ، ذكر تعالى حال أضدادهم الذين لا تقبل توبتهم فقال :
أوّلا ـ لا توبة للذين يعملون السيئات ، حتى إذا حضر أحدهم الموت قال : إني تبت الآن ، فلا أمل في الإصلاح حينئذ ، ولا فائدة من التوبة. ونظير هذه الآية قوله تعالى : (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) [غافر ٤٠ / ٨٥] ، وقوله حكاية عن فرعون لما أدركه الغرق : (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ ، وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ ، وَكُنْتَ مِنَ