التفسير والبيان :
يأمر الله تعالى الأمة الإسلامية بأن يكون منها جماعة متخصصة بالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ، وأولئك الكمّل هم المفلحون في الدّنيا والآخرة.
وتخصص هذه الفئة بما ذكر لا يمنع كون الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر واجبا على كلّ فرد من أفراد الأمّة بحسبه ، كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان» ، وفي رواية : «وليس وراء ذلك من الإيمان حبّة خردل». وروى أحمد والترمذي وابن ماجه عن حذيفة بن اليمان رضياللهعنه أنّ النّبيّصلىاللهعليهوسلم قال : «والذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ، أو ليوشكنّ الله أن يبعث عليكم ، عقابا من عنده ، ثّم لتدعنّه فلا يستجيب لكم».
وكان الواحد من السّلف الصالح لا يتوانى في هذا الواجب ، ولا يخشى في الله لومة لائم ، فقد خطب عمر على المنبر قائلا : «إذا رأيتم فيّ اعوجاجا فقوّموه» فقام أحد رعاة الإبل ، وقال : لو رأينا فيك اعوجاجا لقوّمناه بسيوفنا.
ولا تكونوا أيّها المؤمنون كأهل الكتاب الذين تفرّقوا ، في الدّين ، وكانوا شيعا ، واختلفوا اختلافا كثيرا ، من بعد ما جاءتهم الأدلّة الواضحات التي تهديهم إلى السبيل لو اتّبعوها ، لأنهم تركوا الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ، فاستحقّوا العذاب العظيم في الدّينا والآخرة ، أما في الدّنيا فيجعل بأسهم بينهم شديدا ، ويذيقهم الخزي والنّكال ، وأما في الآخرة ففي جهنم هم فيها خالدون ، ونظير هذه الآية قوله تعالى : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ ، كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ ، لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ) [المائدة ٥ / ٧٨ ـ ٧٩].