كثرة الكفار ، صابرون على أذاهم ، متمسكون حق التمسك بدينهم. وأما أواخر هذه الأمة فلهم فضيلة أخرى لا تمنع ولا تحجب فضيلة السلف الصالح إذا أقاموا الدّين ، وتمسكوا به ، وصبروا على طاعة ربهم ، في وقت ظهور الشر والفسق والهرج والمعاصي والكبائر ، فيصيرون بذلك أشباه السلف غرباء أيضا ، وتزكو أعمالهم في ذلك الوقت ، كما زكت أعمال أوائلهم ، بدليل قوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم وابن ماجه عن أبي هريرة : «إن الإسلام بدأ غريبا ، وسيعود كما بدأ ، فطوبى للغرباء» وقوله فيما رواه الترمذي والحاكم وصححاه وابن ماجه وغيرهم عن أبي ثعلبة الخشني : «إن أمامكم أياما : الصابر فيها على دينه كالقابض على الجمر ، للعامل فيها أجر خمسين رجلا يعمل مثل عمله ، قيل : يا رسول الله ، منهم؟ قال : بل منكم» وذكر أبو داود الطيالسي وأبو عيسى الترمذي : «أمتي كالمطر لا يدرى أوّله خير أم آخره» وذكره الدارقطني في مسند حديث مالك عن أنس : «مثل أمتي مثل المطر ، لا يدرى أوله خير أم آخره».
وحينئذ يستوي أول هذه الأمة بآخرها في فضل العمل إلا أهل بدر والحديبية.
ومدح الأمة الإسلامية ما داموا قائمين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بكل ما يجب الإيمان به ، فإذا تركوا التغيير وتواطؤوا على المنكر ، زال عنهم اسم المدح ، ولحقهم اسم الذم ، وكان ذلك سببا لهلاكهم.
وإيمان أهل الكتاب بالنبي صلىاللهعليهوسلم خير لهم ، ومنهم المؤمن والفاسق ، والفاسق أكثر.
ووعد الله المؤمنين ورسوله صلىاللهعليهوسلم أن أهل الكتاب لا يغلبونهم ، وأنهم منصورون عليهم ، لا ينالهم منهم أذى إلا بالافتراء والتحريف ، وأما العاقبة فتكون للمؤمنين.
وفي هذه الآية معجزة للنبي عليه الصلاة والسلام ؛ لأن من قاتله من اليهود انهزم وولى الأدبار.