ثم أمر الله نبيّه محمدا صلىاللهعليهوسلم بالاحتكام إلى التوراة كتاب اليهود لتكذيب دعواهم ، وقال لهم : فأتوا بالتوراة كتابكم فاتلوها إن كنتم صادقين في دعواكم ، لا تخافون تكذيبها لكم ، ولو جئتم بها لوجدتم أن تحريم شيء على بني إسرائيل ما كان إلا عقوبة تأديبية زاجرة ، فيظل غير الجاني على أصل الحلّ ؛ لأن الأصل في الأطعمة الحلّ والإباحة.
فمن اخترع الكذب على الله ، وزعم أن التّحريم كان على الأنبياء السابقين وأممهم قبل نزول التّوراة ، وادّعى ما لم ينزله الله في كتابه ، فأولئك هم الظالمون أنفسهم بطمس معالم الحق وإظهار الكذب على الله.
روي أنهم لم يتجاسروا على الإتيان بالتوراة ، فبهتوا ، وفي ذلك دليل واضح على صحّة نبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وأنه يعلم بوحي من الله ما في التوراة ، وهو لم يقرأها لأمّيته المعروفة ، وأنها مؤيّدة لما في القرآن.
وإذ ظهر الحقّ واندحر الباطل ، قل لهم يا محمد : صدق الله فيما أخبرني به أن سائر الأطعمة كانت حلالا لبني إسرائيل ، وأنه لم يحرّم الله شيئا على إسرائيل قبل التوراة ، وأن ما حرّم الله على اليهود كان جزاء وتأديبا وعقوبة لهم بسبب أفعالهم القبيحة.
وإذ استبان الحق ، وظهرت الحجّة عليكم ، فعليكم اتّباع ملّة إبراهيم التي أدعوكم إليها ، والتي تبيح أكل لحوم الإبل وألبانها ، وهي الملّة الحنيفيّة السمحاء الوسط التي لا إفراط فيها ولا تفريط ، وهي التي شرعها الله في القرآن ، وكان إبراهيم حنيفيّا مائلا عن الأديان الأخرى الباطلة إلى الدّين الحقّ الذي يقوم على مبدأ التوحيد وإباحة الطّيبات ، وما كان مشركا يدعو مع الله إلها آخر ، أو يعبد سواه ، كما يفعل عبدة الأوثان ، ويدعيه اليهود أن عزيرا ابن الله ، ويعتقده النصارى أن المسيح ابن الله.