وهل إن أضرابهم من الكفار ـ أيضا ـ يلعنونهم كما المؤمنون؟ وهم يستحسنون كفرهم! إنهم يلعنونهم هنا إبعادا زائدا عن رحمة الله بما يستحسنون : (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) (٢٩ : ٢٥) كما وكل كافر يلعن الكفار والظالمين زعما منه أنه مؤمن جهلا مقصرا.
وقد تلمح آيتنا أن التوبة عن الكفر قبل الموت ـ أيّا كان ـ مقبولة بشروطها ، والقول الفصل حول أحكام الكفر والارتداد والتوبة راجع الى محله الأليق كآل عمران : (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ. إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) (٨٦ ـ ٩١).
(خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) ١٦٢.
والخلود ـ كما لمحنا له في مختلف المجالات ـ هو البقاء مدة طويلة ، و (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ) وما أشبه لا تدل على لا نهائية العذاب ، بل هو دليل عدم تخفيفه ما داموا ودام العذاب قدر الاستحقاق ، وأما إذا فنوا بفناء النار فليس ذلك تخفيفا في أيّ من الأعراف إلّا إذا فنت النار قبل ذوقهم ما يستحقون من العذاب ، أم خرجوا عن النار قبل كمال العذاب الذي يستحقون ، فإنهما تخفيف عن مدة العذاب ، ام خفف عنهم العذاب عدّة لا مدّة ، ام خفف فيهما ، فكل ذلك تخفيف ، وأما إذا ذاق مستحق العذاب كما وكيفا ثم فنى بفناء النار ، أم أخرج قبل فناءها باستحقاق ، فما ذلك بتخفيف في العذاب.