فالخالدون هنا في طاعة الله ، هم الخالدون هناك في رحمة الله ، والخالدون هنا في معصية الله ، هم الخالدون هناك في نقمة الله (وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً).
ولا يعني الخلود في النار ـ رغم ما يزعم ـ لا نهائية المقام في النار ، مهما عناها الخلود في الجنة لأنها حسب القرآن (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) ولكن النار هي جزاء وفاق ، فعلى قدر الكفر والعصيان يكون الخلود في النار ، وحتى الآبدين في النار يفنون يوما ما بفناء النار بعد ما ذاقوا وبال أمرهم قدره ، وقد فصلنا البحث حول مدى الخلود في النار كرارا وتكرارا.
(كَسَبَ سَيِّئَةً) هو الكسب القاصد العامد المعاند ، دون الجاهل القاصر ، أو المضطر غير العامد ، ثم (وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) شرط ثان يكمّل أهلية الخلود في النار ، وإحاطة الخطيئة التي هي من خلفيات السيئة التي استمرت ولم يتب عنها ـ حيث الخطيئة وهي الحالة الرديئة المخلّفة عن السيئة البائتة ـ إنها تعم الخطايا العقائدية والعملية حيث يصبح المسيء خطيئة كله ، فلا منفذ ـ إذا ـ إلى قلبه أو قالبه من نور ، بل أصبح كله نارا ، والشيء لا يحيط بالشيء من جميع جهاته إلّا بعد أن يكون سابغا غير قالص ، وزائدا غير ناقص! (فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).
ثم يقابلهم (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) فلا يرون نارا ولا تمسهم النار.
ومن ثم بينهما عوان ، لا أنه أحاطت به خطيئة ، ولا أحاطت به طاعته ، فهم ـ إذا ـ عوان بين الجنة والنار ، وحين يبقى لهم ـ عند موتهم ـ إيمان وعمل الإيمان ، فآخر مصيرهم الجنة.
أترى «سيئة» هنا تعني أية سيئة وإن كانت صغيرة؟ والصغيرة تكفّر بترك الكبيرة : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً