(حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) المقاتلة؟ والفتنة أعم من المقاتلة ، وهي أشد واكبر من القتل والمقاتلة ، ولو كانت «فتنة» هي ـ فقط ـ فتنة المقاتلة لكان النص «الفتنة» اشارة إليها دون «فتنة» المحلقة على كل فتنة ، قضية الاستغراق المستفاد من النكرة المنفية ، ثم (وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) لا تناسب اختصاص الفتنة المنفية بالمقاتلة ، فقد لا يقاتلون بالحرب الحمراء الدموية ، وهم مقاتلون بحرب شعواء سوداء باردة ضد العقيدة الايمانية تضليلا للمؤمنين ، وإبقاء لمن سواهم على قصورهم في الدين ، ومهما كان النص يواجه قوة المشركين في شبه الجزيرة ـ فانها هي التي كانت تفتن الناس وتمنع ان تكون هناك أية مجالة لدين الله ـ ولكنه عام الدلالة كنص قرآني يحلق على كافة الأعصار والأمصار ، فهو مستمر التوجيه كسائر التوجيهات القرآنية (حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ).
ففي كل يوم تقوم قوة ظالمة مفتتنة تفتن الناس عن دينهم وتحول بينهم وبين تسمّع الحق والاستجابة له عند الإقناع ، فالجماعة المسلمة مكلفة بتحطيم تلك القوات ، إطلاقا للناس من قهرها ، وبعثرتهم من قبرها ، إحياء للضمائر واستجاشة (مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ).
كما وان عليهم ازالة فتنة الشرك عن أنفس المشركين كما عن سواهم.
إذا فالكفر المعتدي على المؤمنين وعقيدة الإيمان ، او المعتدي على من يفكر في الايمان ، ذلك الكفر فتنة على قبيل الايمان ، والواجب على المؤمنين ككلّ هو الحفاظ على جوّ الايمان بكل سماح لمن يتحرى عنه دونما صدّ ، وهو يتطلب قتال المفتتنين (حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) إخمادا لنائرتها (وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ).
ولا يتحقق ذلك السلب إلّا باخضاع الاستعمار الكافر ، ولا ذلك الإيجاب إلّا بتأسيس دولة اسلامية عالمية تهمين على كافة السلطات الزمنية والروحية في المعمورة ، وهذه هي أملنا المبشر به لزمن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه