وكما علمنا الله مناسكنا ، ثم علمنا ذكره ، هكذا يعلمنا بعدهما كيف ندعوه ، تنديدا بطالح الدعاء وتمجيدا لصالحها ، وهنا أخذ الله يقسم الذاكرين له الداعين إياه إلى قسمين رئيسيين يعرف منهما سائر الأقسام.
ف (مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا) ودون تقيد بحسنة ، وانما إيتاء في الدنيا من مال ومنال على اية حال ، أضرت بالآخرة ام نفعتها ، فانما القصد هو الدنيا لا سواها (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) إذ لم يدع لها ولا سعى سعيها.
وقد يشمل «الناس» هنا النسناس الذين لا يسعون للآخرة كما لا يدعون لها ك (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ) (١١ : ١٥) فدعاء هؤلاء النسناس وهم بين كافر ومشرك ليس «ربنا» في لفظة قول ، بل في همامة تشمل الحال والفعال والقال ، دون اتجاه فيها الى الله.
كما يشمل أشباه الناس الذين هم لحدّ ما مؤمنون ولكنهم لا يسألون حسنة الآخرة فيما يسألون ، وانما يسألون الدنيا ودون تقيد بحسنتها (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) هنا يخص نصيب الداعين دون كل العاملين ، ودعاء هؤلاء الأشباه للناس وان كان يعم مثلث الدعاء ، ولكنه أحيانا موجّه الى الرب «ربنا ..» فيمن يدعوه من الداعين ، وكما كانوا يدعون في الحج مشركين وموحدين : اللهم اجعله عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن ، لا يذكرون من حسنة الآخرة شيئا! ، وليس هؤلاء كشأن لنزول الآية إلّا نماذج مكرورة على مر الأجيال ، يذكر الدنيا وحدها حتى حين يتوجه إلى الله ، لأنها التي تشغله عن الآخرة وتملأ فراغ نفسه ووفاق سؤله ، وتحيط كل حياته وتغلقه عليه.
ولا تعني الدنيا هنا ـ فقط ـ شهواتها المادية ، بل والمناصب الروحية التي يراد منها نصيب الدنيا وحظوتها ، مهما كانت قيادة روحية إمامة او مرجعية