وللرباط الوثيق بين هذه الآية وآية الغار ، قد نأتي على تفصيل هامة الهجرة في آية الغار ، هنا نقارن بين صاحب الغار والفراش أيهما أفدى بنفسه واكثر شاريا إياها ابتغاء مرضاة الله؟.
صاحب الغار صاحب الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حالة الفرار ، وصاحب الفراش ظل على فراش الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تقبلا وتحملا لكل الأخطار ، فأيهما ـ إذا ـ أفدى بنفسه؟.
وهما هنا فرقدان ، فرقد الليل وفرقد النهار ، فرقد الليل يرقد على فراش الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الخطر القائم الهاجم ، وفرقد النهار يصاحب الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والخطر ناجم ، وترى هاجم الخطر أشجى أم ناجمه؟.
(وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) إذ يبعث رجالا صالحين هكذا ليدفعوا عن بأس أولئك الطالحين وكما قال الله : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ).
هذا ـ وقد لا تنطبق الآية على من يشترى نفسه بماله كصهيب (١) فانه
__________________
ـ قال فقال : يا نبي الله ، قال فقال له علي ان نبي الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه قال : فانطلق ابو بكر فدخل معه الغار قال : وجعل يرمي بالحجارة كما كان يرمي نبي الله وهو يتضوّر وقد لف رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح ، ثم كشف عن رأسه فقالوا : انك للئيم كان صاحبك نراميه فلا يتضور وأنت تتضور وقد استنكرنا ذلك الحديث.
(١) الدر المنثور ١ : ٢٤٠ عن سعيد بن المسيب قال اقبل صهيب مهاجرا نحو النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فاتبعه نفر من قريش فنزل عن راحلته وانتشل ما في كنانته ثم قال : يا معشر قريش قد علمتم أني من أرماكم رجلا وأيم الله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم في كنانتي ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي فيه شيء ثم افعلوا ما شئتم وان شئتم دللتكم على مالي وقنيتي بمكة وخليتم سبيلي؟ قالوا : نعم ، فلما قدم على النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : ربح البيع ربح البيع ونزلت الآية.