إن قضية تزيين شيء هو كونه قبيحا ام قليل الزينة ، ولكن «زين» تلمح الى واقع القبح للحياة الدنيا لمن أبصر إليها فأعمته ، دون من أبصر بهما فبصرته حيث الدنيا مزرعة الآخرة.
فقد يعني تزيين الحياة الدنيا تصويرها بغير صورتها الحقيقية ، ان تصوّر كأنها الهدف الأسمى من الحياة وهي الحياة الدنيا ، وكل شيء تجاوزه حده المحدود له هو متجاوز طوره المقصود منه ، فحين تزيّن الحياة الدنيا مجاوزة حدّها ، تجاهلا عن غايتها الأخرى وهي الحياة الأخرى فهنالك الطامة الكبرى.
و (لِلَّذِينَ كَفَرُوا) تشمل كل المحجوبين عن واقع الحياة الدنيا ملحدا او مشركا ، او موحدا : كتابيا او مسلما او مؤمنا ، حيث المعاصي ككل هي من خلفيات تزين الحياة الدنيا بشهواتها ولهواتها على دركاتها ، من الأدنى ككل صغيرة ، الى كبيرة عملية والى عقائدية أماهيه من محاصيل ذلك التزيين ، وترى ذلك التزيين وهو إغراء وتمويه هل هو ـ فقط ـ من فعل الشيطان ، ام ومن الرحمن؟ إن الدنيا لها زينتها ابتلاء لمن يعيشها على حدها كما حده الله : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) (٧ : ٣٢).
ولكن تزيينها أكثر مما هي عليها من زينتها هو إغراء وتمويه من الشيطان : (قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (١٥ : ٤٠).
ثم الله لا يصدّ عن ذلك التزيين ، الذين هم من الغاوين ، جزاء بما كانوا يعملون : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ) (٢٧ : ٤) ـ (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) وذلك بان (قَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا