__________________
ف (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) تقرر مكانا خاصا بين المأتيين والأمر هنا السماح لتقدم الحظر عن قربهن ، ف (لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ) سمحت للقرب في مثلثه عند انقطاع الدم. اللهم إلّا الدبر المستثنى بآيتيه هاتين : «فأتوهن ـ نساءكم حرث لكم» من حيث أمركم الله سمحت إباحة ـ إلّا الكراهية السالفة ـ لا مطلقا ، بل من الموضع المأمور به ، والأمر هو السماح ، فحتى إذا لم نعرف حيثية الأمر السماح. فقد نعرف دورانه بين المأتيين ، ولا ريب ان الدبر غير مأمور به كما لا تجده في القرآن كله ، إذا فهو القبل ، فانما السماح يختص بالقبل ، وتؤيد الآية التالية : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ).
هذا ـ ولكن (حَتَّى يَطْهُرْنَ) هي غاية الحرمة فيهما ، فمرجوحية فيهما ، ثم «فآتوهن» سماح دون مرجوحية بالنسبة للقبل ، وأمّا الدبر فباق على حكم الحرمة في الحيض والمرجوحية بعد انقطاعه قبل الغسل ، ثم لا نجد دليلا ظاهرا على المنع ، بل ان آية لوط مع (حَتَّى يَطْهُرْنَ) تدل على الجواز ، ولا تصلح الروايات نسخا للقرآن.
فالأقوى حرمة إتيان أدبارهن حال الحيض وبعده ، وبعد الغسل مهما اختلفت مراحل الحرمة.
والحاصل ان «فأتوهن» سماح برجاحة ام وجوب بعد سماح بمرجوحية ، فالمرجوح من إتيانهن طليق قبل الاغتسال فضلا عما بعده ، ثم الراجح هو الذي يتكفله (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ) ولكن كيف؟ لا كما سمح فيه قبل الغسل ، بل كما أمركم الله وهو التالي : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ) وليس (أَمَرَكُمُ اللهُ) هو أصل السماح إذ لا يعبّر عنه بالأمر ، بل هو ما فوق السماح من رجاحة ووجوب ، ولو كان هو أصل السماح فقد بيّن لما قبل الغسل ، وكان يكفي فأتوهن ، فإنما المقصود هنا راجح السماح استحبابا ووجوبا ، دون مرجوحية حيث بينّ من ذي قبل ، ولا مباحة المتساوي الطرفين إذ لا تتصدر هكذا إباحة ، وقد ورد في الحديث ان إتيان الزوجة صدقة لها ، أقول وان لم يقصد الصدقة ، ثم وإتيان الحرث والتقديم للأنفس لا ريب وانه راجح بين مندوب وواجب.
فلا يستفاد من القرآن حرمة إتيان الحلائل في الأدبار ، وانها المرجوحية ، وليست الاخبار لتنسخ القرآن الدال على الجواز في آية لوط ، وعلى المرجوحية المسموحة كما هنا ، فالأقوى جواز إتيانهن من أدبارهن ، والأحوط تركه.
ولكن وقد يقال ان اطلاق (حَتَّى يَطْهُرْنَ) في إتيانهن مقيد بالأحاديث المحرمة له مطلقا ، وآية لوط