والاختيان افتعال من الخيانة وهي التنقص في الأمانة بخلاف الوفاء فيها ، فنفس الإنسان امانة إلهية ، والتكاليف الإلهية أمانات عنده ، والصوم امانة إلهية ، فقد كان الرفث الى النساء خيانة في هاتين ، وهي ترجع بنقصها الى النفس وليس الى الله ، فقد خفف عنكم هذه الكلفة في ليلة الصيام ، أن أباح لكم فيها ـ اضافة إلى الأكل والشرب ـ الرفث الى نساءكم ، فلو استمر المنع لخنتم كثيرا ، خلعا لعذار الصبر عن طيش النفس ، وضعفا عن مغالبتها ، مواقفة للمحظور من ذلك الغشيان ، وتلك خيانة النفس حيث تجرونها الى محرم ، وتنقصونها عن عليائها الى سفلى الحيونة الجنسية ، تكديرا على جو الصيام.
وهنا مما لا بد منه بطبيعة الحال هو الفصل الزمني بين فرض الصوم بشروطه وبين إحلال هذه الثلاثة ليلة الصيام ، إذ لا معنى لاحلالها بعد تحريمها قبل ردح من زمن العمل في حقل التحريم ، فابتلاء بعض بالخيانة وتكلّف آخرين وهم على أشرافها ، وقد «أمر الله رسوله ان يضعها في المائة الوسطى من سورة البقرة» (٨٩) مما يؤيد تأخر نزولها عن سائر آيات الصيام : «فالآن» وبعد
__________________
ـ اسلموا إذا صام أحدهم يصوم يومه حتى إذا أمسى طعم من الطعام حتى يمسي من الليلة القابلة وان عمر بن الخطاب بينما هو نائم إذ سولت له نفسه فأتى اهله ثم أتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال : يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إني اعتذر الى الله وإليك من نفسي هذه الخيانة فانها زينت لي فواقعت أهلي هل تجد لي من رخصة؟ قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : لم تكن حقيقا بذلك يا عمر فلما بلغ بيته أرسل اليه فأنبأه بعذره في آية من القرآن وأمر الله رسوله ان يضعها في المائة الوسطى من سورة البقرة فقال : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ ـ الى قوله ـ : تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ) يعني بذلك الذي فعل عمر فانزل الله عفوه فقال : (فَتابَ عَلَيْكُمْ ـ الى قوله ـ : مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) فأحل لهم المجامعة والاكل والشرب حتى يتبين الصبح ، أقول واخرج اصل القصة ابن جرير عن ثابت ان عمر واقع اهله ليلة في رمضان ... واخرج ابو داود والبيهقي في سننه عن ابن ـ