عليه أوله (غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً) لست أنت أولى بهما حفاظا على مصلحة لهما (فَاللهُ أَوْلى بِهِما) فإنه هو وليهما ووليكم وهو الآمر أن تكونوا شهداء لله لا لأهوائكم أو مصلحيات تهوونها (فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا) عن الشهادة لله ، أو عن أن تعدلوا في الشهادة لله (وَإِنْ تَلْوُوا) في الشهادة ليّا لغني أو فقير «أو تعرضوا» عن الشهادة لله (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) لا تخفى عليه خافية.
فلا غنى المشهود عليه أوله يبرّر اللّيّ في الشهادة له أو عليه أو الإعراض عنها طمعا في غناه مهما ينفق في سبيل الله ، ولا فقره بالذي يبرّر الشهادة لصالحه سلبا أو إيجابا ترحما عليه (١) ففي لي الشهادة أو الإعراض عنها حين تكون على
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٥٦١ في كتاب الخصال عن أبي عبد الله (عليه السّلام) «ثلاثة هم أقرب الخلق الى الله تعالى يوم القيامة حتى يفرغ من الحساب رجل لم تدعه قدرته في حال غضبه الى أن يحيف على من تحت يديه ورجل مشى بين إثنين فلم يمل مع أحدهما على الآخر بشعرة ورجل قال الحق فيما له وعليه» وفيه عن الخصال عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (عليهما السّلام) ان لله تعالى جنة لا يدخلها إلا ثلاثة رجل حكم في نفسه بالحق.
وفي الدر المنثور ٢ : ٢٢٤ ـ أخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال نزلت في النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) «اختصم إليه رجلان غني وفقير فكان حلفه مع الفقير يرى أن الفقير لا يظلم الغني فأبي الله إلا أن يقوم بالقسط في الغني والفقير».
أقول : «كان حلفه مع الفقير» لا يعني أنه أراد أن يحكم للفقير لفقره تعطفا عليه قبل أن يسمع الى الطرفين ، فإنما كانت رجاحة ـ لو كانت ـ في نظره لمجرد الفقر فأزال الله عنه تلك الرجاحة ووجهه الى حاق الحق ، ولم يكن ليحكم إلا بالحق ، فإنما هو من قبيل أياك أعني وأسمعي يا جاره.
ذلك! وإذا كان بعيثه عبد الله بن رواحة لا ينحرف عن الحق قيد شعرة فهل هو ينحرف أو يحاول ، فقد بعثه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقدر على أهل خيبر محصولهم من الثمار والزروع لمقاسمتهم إياها مناصفة حسب عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعد فتح خيبر ، ان حاول اليهود رشوته ليرفق بهم فقال لهم : والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إلي ولأنتم والله أبغض إلي من أعدادكم من القردة والخنازير وما يحملني حبي إياه وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم فقالوا : «بهذا قامت السماوات والأرض» ـ