بل هي محبورة أم مفروضة حفاظا على الأهم الأحرى.
(إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً) ١٤٩.
هنا في المسرح امتداح للخير إبداء وإخفاء ، وامتداح للعفو عن سوء ـ وطبعا ألّا يكون إخفاء سوء أن يشجع المسيء على إسائته ـ (فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً).
فالعفو عن السوء على قدرة هو في أصله مشكور ، إلّا أن يخلّف ذلك العفو سوء وقليل ما هو ، حيث الناس مفطورون على التأثر بالعفو والتحسّر على سوء فعلوه ، وهذه من أوسع أبواب التربية الربانية أن يواجه السوء بحسن على قدرة : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (٤١ : ٣٤).
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً ١٥٠ أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) ١٥١.
من شروطات الإيمان بالله ـ الأصيلة ـ عدم التفرقة بين الله ورسله : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) (٢ : ٢٨٥) وبين الله ، ولا بينهم أنفسهم ، لأنهم كلهم يحملون رسالة الله دون تفرّق : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) (٦ : ١٥٩).
وهنا يعبر عن المفرقين بين الله ورسله إيمانا ببعض وكفرا ببعض ب (الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ) حيث التفرقة هذه كافرة ناكرة لله ، فإن الكفر برسالة من الله ، مزودة بآية من الله قاطعة ، إنه في الحق كفر بالله ، وإلّا فلما ذا الكفر برسالة منه ساطعة المنار؟.