جَهْرَةً) لكي نراه ونسمعه يوحي إليك ، وأهل الكتاب ككلّ (أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ) ويكأن الله هو ساكن السماء حتى ينزل كتاب وحيه على رسوله منها ، وهل إن هذه السماء بكتابها أسمى من سماء الوحي البيّنة في القرآن العظيم ، فقد يأتي كتاب من السماء من الله أو سواها وليس في سموّه كوحي القرآن النازل من سماء الرحمة المتميزة الإلهية على قلب النبي الأمى.
فما ذلك السؤال وأمثاله إلّا نتيجة الجهل والنكران ، تعنتا على الحق وتعندا (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ) البعيد البعيد (وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً) يبين الحق صراحا ناصعا لا غبار عليه.
وهنا (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى) عرض لأجهل ما سأله أهل الكتاب في مسرح الكتاب ، إذا ف : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ) يعمهم الى النصارى وسائر أهل الكتاب ، ولو عنت «أهل الكتاب» خصوص اليهود لجيء بخصوصهم دون طليق «أهل الكتاب» (١).
ولأن ذلك السؤال كان في خضمّ نزول القرآن في العهد المدني وهم كانوا يسمعونه ولا يرعونه ، فسؤالهم (أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ) نكران لوحي القرآن إذ لم ينزل جهارا من السماء ، انعطافا الى مكان من السماء وانحرافا عن مكانة القرآن الذي يحلق على الأرض والسماء!.
__________________
(١) الدر المنثور أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال جاء ناس من اليهود إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله سلّم) فقالوا : إن موسى جاءنا بالألواح من عند الله فائتنا بالألواح من عند الله حتى نصدقك فأنزل الله: (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ ـ إلى ـ بُهْتاناً عَظِيماً).
وفيه عن ابن جريح قال : إن اليهود والنصارى قالوا لمحمد (صلّى الله عليه وآله سلّم) لن نبايعك على ما تدعونا إليه حتى تأتينا بكتاب من عند الله إلى فلان أنك رسول الله وإلى فلان أنك رسول الله فأنزل الله : يسألك أهل الكتاب.