وقد يعني (كِتاباً مِنَ السَّماءِ) ـ فيما عنى ـ كتابا من الله إليهم أن محمدا رسولي والقرآن كتابي (١) رغم أن القرآن نفسه دليل قاطع لا مرد له على الأمرين ، برهان لا يساوى ولا يسامى بأي برهان.
ثم كيف (سَأَلُوا مُوسى) والسائلون إياه هم الغابرون دون الحاضرين في (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ)؟ لأنهم كلهم ـ إلّا قليل ـ في سلك واحد وأقله كونهم راضين بما سأل وفعل أسلافهم ، وكما ينسب القرآن أفعالا من الغابرين الى الحاضرين بنفس السبب ، مما يدل على أن الراضي بفعل قوم هو منهم وكما (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) يعنى القاعدين مع الخائضين في آيات الله.
وهنا الإجابة ب (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ) تنديدة شديدة وتهديدة أن ينالهم ما نال السائلين موسى (عليه السّلام) من أخذ الصاعقة إياهم ، «ثم» ولم ينتبهوا عن غفوتهم حيث (اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) استبدالا بالله العجل في رؤيته وعبادته ، (فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ) الحنث العظيم ـ لا عنهم ـ فلم نستأصلهم عن بكرتهم فإنما قلنا لهم (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) تخفيفا عن ثقل الحنث ثم :
(وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) ١٥٤.
(وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ) بكامله ترهيبا رعيبا «بميثاقهم» حيث ان سبب رفعه كان ميثاقهم الذي نقضوه أو أرادوا نقضه كما فصلناه في البقرة (٢) فاستحكمه الله بنتق الجبل فوقهم.
(وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ) باب القدس «سجّدا» خضّعا لله (وَقُلْنا لَهُمْ
__________________
(١). ج ١ : ٤٤٧ الفرقان على ضوء الآية «وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ ..» (٦٤).