منسي نعمته ويحتج عليهم بالتبليغ ، ويثيروا لهم دفائن العقول ، ويروهم آيات القدرة ، من سقف فوقهم مرفوع ، ومهاد تحتهم موضوع ، ومعايش تحييهم ، وآجال تفنيهم ، وأوصاب تهرمهم ، وأحداث تتابع عليهم ، ولم يخل الله سبحانه خلقه من نبي مرسل ، أو كتاب منزل أو حجة لازمة ، أو محجة قائمة ، رسل لا تقصر بهم قلة عددهم ، ولا كثرة المكذبين لهم ، من سابق سمى له من بعده ، أو غابر عرفه من قبله ، على ذلك نسلت القرون ومضت الدهور وسلفت الآباء وخلفت الأبناء إلى أن بعث الله نبيّه محمدا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (١).
وصحيح أن لله الحجة البالغة في الآفاق والأنفس بما منحهم من الفطر والعقول ، ولكنه سبحانه رحمة لعباده ، وتقديرا لكون خلقه في أحسن تقويم ، ولغلبة الشهوات على ذلك الحسن القويم ، اقتضت رحمته التي كتبها على نفسه أن يرسل إليهم (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) يذكرونهم ويبصّرون محاولة استنقاذ فطرهم وتحرير عقولهم من ركام الشهوات التي هي حجابات عن دلائل الهدى وموحيات الإيمان في الآفاق والأنفس.
ودور العقل بين رسالات الوحي الآفاقية والأنفسية هو دور الوسيط بين الفطرة والشرعة الربانية ، وكما أمرنا بإقامة وجوهنا للدين حنفاء (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) (٣٠ : ٣٠).
فبالفطرة والعقل تعرف شرعة الله ، ثم في تجاوب صالح بينهما يتعرف إلى مرماها ومغزاها ، دون استقلالية بجنبها ولا استغلالية بها ، فإنما هو التسليم السليم أمام وحي الشرعة الربانية ، المكملة لوحي الفطرة والعقلية الإنسانية.
__________________
(١) نور الثقلين ١ : ٥٧٦ في نهج البلاغة قال (عليه السّلام) : فبعث ..