إن شرعة الله تستنقذ العقلية الإنسانية وفطرتها مما يرين عليهما من ركامات الشهوات والقصورات والتقصيرات ، وترسم لهما منهج التلقي الصالح الصحيح.
وليس دور العقل دور الحاكم بجنب الشرع ، فبعد أن يتأكد من صحة صدور الشرعة عن الله فليس دوره إلّا التفهّم عنها بصورة صالحة والتسليم لها تماما دون التقحّم عليها.
وإن رسالات السماء كلها تخاطب العقول التي تتبنى الفطر ، لكي تعقل وحي الله تماما فتتكامل به وتتصاعد إلى المراقي السامقة التي تتجاوب مع أحسن تقويم.
فالعقل الإيماني السليم هو الوسط بين إفراط التأليه للعقل الإنساني لحد يحق له إبطال شرعة الله ، وبين تفريط الإلغاء له عن بكرته فعليه أن يصدق كلما يعرض عليه من وارد وشارد مهما يرفضه او لا يفرضه.
كلا! إنه رسول الوحي في الباطن ليتلقى وحي الشرعة من رجالات الوحي بعد ما عرف صدقهم بآيات الرسالة الصادقة.
فليس للعقل ان ينتقص شرعة الله أو وينتقضها ، فإنما عليه أن يتفهمها لكي يطبقها ، وليس فرض تسليمه لها انتقاصا له ، بل هو تحديد لدوره كما حده الله ، فلأن العقل محدود غير طليق وشرعة الله نازلة بعلم الله الطليق غير المحدود ، فليكن الأصل هو شرعة الله ، ولها تخطئة العقل واستكماله ولا عكس.
وليس ما يتم بالرسالة ـ عن طريق العقل نفسه ـ ليتم بغيرها ، فضلا عن العقل نفسه ، فالتاريخ البشري على طوله لم يسجل لنا أن عقلا واحدا من العقول