والدعاة إلى دينه ، آه آه شوقا إلى رؤيتهم ، انصرف يا كميل إذا شئت» (١)
يا كميل! العلم خير من المال ، العلم يحرسك وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق ، وصنيع المال يزول بزواله ـ
يا كميل بن زياد! معرفة العلم دين يدان به ، به يكسب الإنسان الطاعة في حياته ، وجميل الأحدوثة بعد وفاته ، والعلم حاكم والمال محكوم عليه ـ
يا كميل بن زياد! هلك خزان الأموال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة ، ها أن هاهنا لعلما جما لو أصبت له حملة ، بلى أصبت لقنا غير مأمون عليه مستعملا آلة الدين للدنيا ، ومستظهرا بنعم الله على عباده ، وبحججه على أولياءه ، أو منقادا لحملة الحق لا بصيرة له في أحنائه ، ينقدح الشك في قلبه لأول عارض من شبهة ، ألا لا ذا ولا ذاك ، أو منهوما باللّذة ، سلس القياد للشهوة ، أو مغرما بالجمع والادخار ، ليسا من رعاة الدين في شيء شبها بهما الأنعام السائمة ، كذلك يموت العلم بموت حامليه ـ
«إنما» هؤلاء الأكارم هم «المؤمنون» شرط أن يكونوا من :
(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ)(٣).
رباط أوّل بالله بإقام الصلاة التي هي عمود الدين وعماد اليقين ، ورباط ثان بالإنفاق لأهل الله في الله (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ) ما يمكن إنفاقه مالا وحالا : علما وعملا صالحا وعقيدة «ينفقون» دون رجاء لجزاء أو شكور إلا ابتغاء وجه الله ، ف :
__________________
(١) الحكمة ١٤٠ قال كميل بن زياد : أخذ بيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأخرجني إلى الجبّان ، فلما أصحو تنفس الصّعداء ثم قال : ...